رحلة المنصوري .. عندما تسابق الإمارات المستقبل

ت + ت - الحجم الطبيعي

ثمة فارق جوهري بين الدول التي تتحرك بسرعة من الهواية إلى الاحتراف وتلك التي تكتفي بردود أفعال على ما يجري حولها من تطورات.

حقيقة أدركتها الإمارات مبكرا فهي تستقبل المستقبل ولا تنتظره، وتعكس رحلة المنصوري للفضاء ذلك فالإمارات تتطلع إلى أن تكون هذه التجربة مصدر إلهام يدفع مواطنيها إلى المشاركة في برنامج فضائي طموح، حيث تشمل خططها المبدئية إرسال مسبار إلى مدار كوكب المريخ عام 2021.

إن الاستثمار في الفضاء ليس رفاهية بل رؤية مستقبلية خاصة وأن الأرقام لا تكذب.. في تقرير ملفت صدر مؤخرا، أكدت مجموعة «يو.بي.إس جروب» المصرفية السويسرية العملاقة أن الإيرادات السنوية المتوقعة من صناعة الفضاء ستتضاعف إلى 80 مليار دولار بحلول العام 2030، وصدر التقرير في وقت أعلنت فيه شركة سبيس إكس الأميركية لتكنولوجيا الفضاء، وهي الشركة الأهلية الوحيدة في العالم التي تهيمن على صناعة إرسال مركبات فضاء إلى مدار حول الأرض، كونها أطلقت 21 رحلة فضائية ناجحة في العام 2018 ونجحت في زيادة القيمة السوقية للشركة إلى 33 مليار دولار أميركي.

أرقام مخيفة إذا جاز القول ينضم إليها ما صدر مؤخرا من تقارير عالمية تفيد بأن القطاع الخاص في دول العالم الكبرى بدأ في منافسة القطاع الحكومي في حجم الانفاق على صناعة الفضاء، حيث تشير التقديرات إلى أن استثمارات القطاع الخاص وصلت إلى ملياري دولار سنويا خلال العشر سنوات الماضية بعد أن كان الانفاق مقتصرا على الوكالات الحكومية من أمثال ناسا والبنتاجون.

استوقفتني تلك الأرقام بشدة بينما كنت أتأمل بكل فخر ما تقوم به القيادة الحكيمة للدولة من خطوات عملاقة لبناء مستقبل المواطن الإماراتي، وهي الخطوات التي أراها في سياق رؤية استباقية تستهدف بناء قوة ناعمة إماراتية يشار إليها بالبنان على المستوى العالمي، وذلك من خلال البرنامج الوطني للفضاء الذي نشاهد أولى ثماره بين أيدينا اليوم مع وصول ابن الإمارات هزاع المنصوري إلى محطة الفضاء الدولية على متن مركبة الفضاء الروسية "سيوز أم أس 15" ، في مستهل الرحلة التاريخية التي تتوجه فيها المركبة إلى المحطة  الدولية، ضمن أول مهمة مأهولة لدولة الإمارات إلى الفضاء.

الجهود الحثيثة التي تقوم بها الدولة في مجال الفضاء اليوم لإعداد رواد فضاء إماراتيين والمساهمة في بناء أول مستوطنة بشرية على الكوكب الأحمر بحلول العام 2117 تتناغم مع ما نسمعه ونراه يوميا من رواد هذا المجال. فها هو السيد ايلون ماسك، مؤسس سبيس إكس قد أعلن في تصريحات له مؤخرا أنه يتمنى أن يرسل مستوطنين إلى كوكب المريخ قريبا.

ويقول جيف بيزوس مؤسس موقع أمازون و أغنى رجل في العالم آمل أن أرى ملايين من البشر يعيشون على المحطات الفضائية في المستقبل القريب. وفي ظل الاهتمام المتزايد بصناعة الفضاء فقد أعلنت الولايات المتحدة عن اقتراح لإنتاج أول سلاح فضائي، قبل أن يعلن الرئيس الفرنسي بدوره عن تشكيل قيادة عسكرية مخصصة للفضاء.

هنيئا للإمارات هذا المجد الجديد الذي أثبتت فيه مجددا أن الأفعال أبلغ من الأقوال، فالتاريخ لا يكتبه إلا الأقوياء وكما قال الإمام الشافعي: "بقدر الكـد تكسـب المعالــي ومن طلب العلا سهر الليـالـي ، ومن طلـب العلا بغيـر كدٍ أضاع العمر في طلب المحال".

Email