غوبتا ـ أوبنهايمر.. صراع نفوذ

ت + ت - الحجم الطبيعي

الأحمق هو الذي يختبر المياه بكلتا قدميه، هذا ما أجاب به أحد أبناء عائلة غوبتا عندما بدأ الشارع الجنوب أفريقي ذات يوم يسأله علناً ماذا لو رحل جاكوب زوما؟

تبدو قصة غوبتا أو غوبتاس كما يحلو للبعض أن يسميها في جنوب أفريقيا شبيهة في بعض فصولها بقصة تاجكو في أنغولا وغامبيا والتي تحدثنا عنها في مقال سابق، إلا أن غوبتا فاق دورها حدود الطموح فقفزت عبر أسوار الهجرة محملة بوصية أبوية تقول:

«الزورق الذي يقوده الأب والابن لا يغرق أبداً» فانتقلت بطموحها إلى ما يشبه حكومة ظل في دولة تتباهى أفريقيا بأنها الوحيدة التي عرف الأفارقة فيها كيف تدار معارك استرداد الكرامة.

قبل نهاية الفصل العنصري في جنوب أفريقيا بعام واحد وصلت عائلة غوبتا إلى شواطىء جنوب أفريقيا قادمة من أقصى شمال الهند، وبالتحديد من مدينة سهارنبور، فأسسوا مشاريع تجارية أصبحت أبرز المعالم في الاقتصاد الجنوب أفريقي وما عزز مكانة غوبتا هو نجاحها في الحصول على شركاء من المؤتمر الوطني الأفريقي الممثل الرسمي للحزب السياسي الحاكم في جنوب افريقيا منذ عام 1994.

وبالرغم من التاريخ القديم لهذا الحزب الذي تأسس عام 1912 أي قبل ولادة نيلسون مانديلا إلا أنه ساهم في تعزيز مشاريع غوبتا الحديثة وانتشارها ويرجع السبب في ذلك إلى القلق الذي كان يساور حكومة جنوب أفريقيا في بداية التسعينات من قوة رجال الأعمال الغربيين فرأت الحكومة أن فتح علاقات مع الهند والصين سيقلل نفوذ الشركات الغربية التي باتت تحرص على المحافظة على تفوقها بعد أن كسب المواطنون السود السلطة السياسية في البلاد، وفرضت السلطة الجديدة ما يعرف بسياسات التمكين الاقتصادي للمواطن الأسود.

والتي أجبرت رجال الأعمال الغربيين أن يتعاملوا مع شركاء أفارقة إن كانوا يرغبون بالاستمرار وبدأت السلطة تخفيض قوة الشركات الغربية وتم تعيين أحد أبناء غوبتا لإدارة ملف تعزيز العلاقات مع الهند، وهنا بدأت أعمال غوبتا تزدهر، وحصلوا على أول عقد حكومي لإنشاء معامل الكمبيوتر وأصبحوا بذلك أكبر موزعي أجهزة الكمبيوتر، وتبع ذلك حصولهم على منجم لليورانيوم ومصانع الصلب.

وهنا بدأ القلق يسري في أوصال شركة دي بيرز وعملاق التعدين أنجلو أمريكان المنتج الرئيسي للماس والنحاس والنيكل والفحم المعدني وأكبر منتج للبلاتين في العالم فكان ذلك القلق المُتصاعد كفيلاً بأن يقود إلى صدام مع تلك المؤسسات العملاقة التي يقودها الغرب وحلفاؤهم خاصة بعد أن نجحت غوبتا في الوصول إلى السلطة السياسية.

تعكر صفو العلاقات بين السلطة السياسية وغوبتا عندما طلبت الأخيرة من نائب الرئيس تقديم دعوة للمرشح الرئاسي في ذلك الوقت جاكوب زوما لحضور حفل وهنا بدأت السلطة السياسية تنتبه بأن غوبتا لها علاقة بشخصية تنظر لها السلطة بشيء من الحذر فتدهورت العلاقات بين الطرفين وأذكاها انحداراً هو الدعم الذي قدمته غوبتا للمرشح الرئاسي زوما لتبدأ جنوب أفريقيا عهداً جديداً أصبح لغوبتا فيه رأي في اختيار الوزراء وتدريبهم.

ومن المفارقات أنها اختارت موسيبنزي زواني وزيراً للتعدين وهو لم يعمل يوماً واحداً في مجال التعدين ولكنه استطاع أن يقنع الشركة السويسرية البريطانية إعطاء منجم جلينكور للفحم لعائلة غوبتا.

وكشفت رسالة بريد إلكتروني تقول لوزير التعدين إذا تم سؤالك حول المنجم فقل بأنه مشروع مملوك للكونسورتيوم ولمن لا يعرف الكونسورتيوم هو عبارة عن رابطة تضم مجموعة أشخاص أو شركات أو حكومات تهدف للمشاركة في نشاط مشترك لتحقيق هدف مشترك.

بدأت غوبتا تفقد نفوذها شيئاً فشيئاً بعد تحقيقات إعلامية تلخصت في ثلاث مواجهات، فلقد اتهمت غوبتا باستخدام قاعدة عسكرية في هبوط طائراتها الخاصة، تلى ذلك تصادم عائلة غوبتا مع عائلة أوبنهايمر بسبب استخدام الأولى نفوذها السياسي في إيقاف أعمال الثانية وردت هنا غوبتا بالقول إن المشاكل ستزول لو وافقت أوبنهايمر أن أدخل معها شريكاً من باب دعم برنامج التمكين الإقتصادي للأسود.

وما إن أعلنت الصحافة أن موافقة الرئيس السابق جاكوب زوما على تعيين وزير للمالية جاء بتوصية من غوبتا أعلنت البنوك الكبرى قطع علاقتها مع غوبتا وقدم البنك المركزي الجنوب أفريقي لبنك بارودا دليلاً على تجاوزات لغوبتا وفقًا لتقرير سري صادر عن شركة التدقيق الدولية فتم شطب شركاتهم من بورصة جوهانسبرغ وباقي الشركات تمت إدارتها من قبل مشرفين خارجيين.

وغادرت عائلة غوبتا أفريقيا والجميع يتساءل: هل تنفست الشركات الغربية الصعداء بخروج غوبتا أم ثمة رسالة يريد الغرب إرسالها للداخل الأفريقي قبل الخارج تلخص الواقع الأفريقي الذي لا يراد له أن يتغير حتى في أحلام أبنائه؟.

 باحثة إماراتية في الشأن الأفريقي

 

Email