أخلاقيات حفيد «الإمام»

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم أستطع التخلص من هاجس الربط بين بعض حوادث متتالية، جلبتها لنا الأخبار في الأيام القليلة الماضية، تبدو وكأن لا علاقة بينها، فيما هي متلاصقة كالحبل السري الذي يربط الجنين ببطن أمه.

فقبل أيام خرج علينا «طارق رمضان (67 سنة) حفيد حسن البنا من جهة الأم في أول ظهور تلفزيوني في فضائية فرنسية ليغيّر أقواله ويعترف بأنه كذاب.

وجاء الحوار معه عقب الإفراج المشروط عنه بإخضاعه للمراقبة القضائية، بعد حبسه عشرة أشهر، لاتهامه باغتصاب عدد من النساء الفرنسيات والأوروبيات.

وبحماسة يحسد عليها، اعترف رمضان بأنه كان يكذب أمام القضاء، حين نفى تلك الجرائم، مبرراً ذلك بأنه حماية لأسرته والجالية المسلمة التي خيّب آمالها، مؤكداً نصاً أن «كل ما مارسته سابقاً مع أي امرأة كان برضى من الطرفين ولم أكن يوماً عنيفاً» دون أن نعرف هل هذا التبرير اعتذار عن الكذب أم تفاخر ذكوري بما فعل!

وفي الحوار قال رمضان إن كتابه الجديد الصادر قبل أيام بعنوان «واجب الحقيقة» يكشف أنه كان «ضحية جريمة قتل تمارس بحقه منذ سنتين من قبل الصحافة وأجهزة القضاء والمجتمع المعادي للإسلام»!

المفارقات في حوار طارق رمضان والتناقضات وخلط الأوراق وازدواج المعايير لا تخفى على أحد. فهو يعترف بالكذب بنفي تهم التحرش والاغتصاب الفردي والجماعي للنساء، ثم يمتطي دور الضحية، معتبراً أن الدوائر - بما فيها القضاء والإعلام وحتى ضحاياه - التي وجهت إليه التهم، أقدمت على ذلك لأنها هي المغتصبة ومعادية للإسلام.

وهكذا بقفزة في الهواء، يعد طارق رمضان نفسه هو والإسلام شيئاً واحداً، ويعد محاكمته على جرائم جنائية منافية للقيم الأخلاقية لكل الأديان، ولا علاقة لها بالسياسة، هي إسلاموفوبيا - النظرية التي تكرس في الغرب الخوف من الإسلام والمسلمين - لأنها تحاكم من يقدمه التنظيم الدولي لجماعة الإخوان. فإذا كان عدد المسلمين في الدول الغربية يبلغ نحو خمسمائة مليون نسمة.

فقد ساهمت مزاعم جماعة الإخوان وفتاوى التنظيمات الإرهابية الخارجة من معطفها، والنموذج الخلقي والفكري الذي يقدمه حفيد مؤسس الجماعة، عن عجز هؤلاء عن التلاؤم مع النسق القانوني والاجتماعي للمجتمعات الأوروبية التي انتقلوا للعيش والتعلم والعمل بها، مع الإصرار على نقل أمراض المجتمعات التي هجروها إلى الغرب، مع العلم أنه لا توجد دولة عربية واحدة تقصي الدين عن الشأن العام، لكي يزعموا أنهم مكلفون بالدفاع داخلها وخارجها عن الإسلام.

ومما يبعث على الضحك والرثاء، ويثير الدهشة والعجب كذلك، أن الحفيد الدون جوان، يدير مركزاً بحثياً يحمل اسم «مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق».. نعم والأخلاق!!

وعلى نغمات الاحتجاجات النسائية في باريس على فتح وسائل الإعلام الفرنسية أبوابها لحفيد البنا، وهو متهم من قبل النيابة بالاغتصاب الجماعي والتهديد والترهيب.

وفي تجاهل تام للحوار المجتمعي الفرنسي الدائر حول العنف ضد النساء، فتحت قنوات الإخوان شاشاتها وخزائنها أمام ممثل مصري مبتدئ ومقاول ثري، ليكيل الاتهامات الجزافية للقيادة المصرية والجيش المصري، الذي كوّن ثروته من العمل في مؤسساته، ليتم التشويش على الفضيحة الإخوانية المجلجلة في فرنسا من جانب، ويظن مدبرو الفيديوهات الركيكة لقصة «الممثل المقاول»، أنهم يردون على الأحكام القضائية الصادرة أخيراً على قادة جماعة الإخوان من جانب آخر، والتشويش على التهم المخلة بالشرف كالقتل والتجسس وهي أحكام تبقيهم في السجون مدى الحياة.

ولعلهم يظنون كذلك أن مخططهم يبعد الأنظار عن الانقسامات بين قيادات الجماعة داخل السجون وخارجها، وبينهم وبين الشباب في صفوفهم، وعن الضربات القاصمة التي توجه للتنظيم، بالكشف شبه اليومي عن خلاياه النائمة، ومصادرة أنشطتها التجارية وأموالها وأسلحتها، وملاحقة تلك الأنشطة داخل مصر وخارجها.

ولن يكون نجاح الأجهزة الأمنية في تسلم الخلية الإخوانية من الكويت ومحاكمتها، آخر الخطوات في مسلسل تلك الملاحقة، لاسيما بعد إدراك السلطات العربية لمخاطر التسامح مع جماعة لا تؤمن بالدول والأوطان، وتتاجر بالدين، وتحتكر لنفسها التحدث باسمه وتنتعش بإشاعة الفوضى والخراب.

وهو ما أكدته الجماعة في مؤتمرها الأخير في إسطنبول، حيث جددت فيه التمسك بالأخطاء التي قادت الجماعة لما هي عليه الآن، بالقول إن الفصل بين العمل الدعوي والعمل السياسي مخالف للشريعة، ودعوة قادة التنظيم الدولي لأعمال ثورية لتغيير أنظمة دول المنطقة، فمنحوا قادة تلك الدول مبرراً جديداً لاقتلاعها منها.

Ⅶ رئيسة تحرير جريدة «الأهالي» المصرية

 

Email