في جوار الفيل

ت + ت - الحجم الطبيعي

ذات يوم على عشاء قال السفير الكندي في القاهرة إن بلاده في تعاملها مع جارتها الولايات المتحدة تشبه حالة الرجل الذي ينام بجوار الفيل؛ ومن ثم فإن عليه كل صباح أن يتأكد أن الجار صاحب مزاج رائق، وأنه لن يحرك أقدامه، أو «زلعومه» بشكل عصبي، أو يتقلب نتيجة كابوس أو نزوة، فيكون الهلاك للدولة.

ولأسباب شتى لن تخفى على القارئ الكريم فإن الحالة الكندية ربما ليست كندية محضة، وأنه نتيجة القوة الأمريكية العظمى، فإن العالم كله يجاور الفيل، ويتعامل معه بالطريقة الحذرة نفسها لاتقاء المفاجأة التي قد يكون فيها كارثة. كان ذلك في الوقت الذي تعلم فيه دول العالم عن الولايات المتحدة أكثر من المعرفة بالدول الأخرى.

وفي صباح كل يوم فإن التطورات السياسية في واشنطن يجري فحصها، وما يحدث في البيت الأبيض والكونغرس والإعلام والأحزاب وجماعات المصالح. والحالة في كل انتخابات، وبين الانتخابات والأخرى أيضاً.

لا شيء من ذلك يحدث، وبهذه الدقة والاهتمام، لمتابعة الكرملين في روسيا، ولا المدينة المحرمة في بكين، ولا ١٠ داوننغ ستريت في لندن، ولا قصر الإليزيه في باريس. ومنذ دخول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض فإن هذه الحالة من الاهتمام تصاعدت بشدة، ليس فقط لأهمية الرئيس وإنما لأنه هذه المرة له خصائص خاصة لا يمكن استشفافها من تحليل الشخصية، أو التعرف على المقربين، أو البحث في معالجته للأزمات عن نمط للشخصية والسلوك.

وعندما أطاح في السابع من سبتمبر الجاري بمستشاره للأمن القومي «جون بولتون» فإن هذا الشغف من الاهتمام أخذ دفعة إضافية؛ فقد بدا من قبل أن تعيين الرجل في هذا المنصب كان يعني أن الرئيس قد وجد ضالته أخيراً لمن يعاونه في إدارة السياسة الخارجية الأمريكية وشؤون الأمن القومي الأمريكي.

«بولتون» كان فيه الكثير من الصفات الشائعة عن رئيسه؛ فالرجل من المحافظين الأمريكيين العتاة؛ وهو ابن رجل المطافئ قد صار من خريجي كلية القانون في جامعة ييل الذي تخرّج منها وزراء للخارجية، ورؤساء للدولة. في إدارة جورج بوش الابن، كان من جماعة المحافظين الجدد، بل إنه أدار «مشروع القرن الأمريكي الجديد».

وكان مثله مثل رفاقه في ذلك العهد، وسواء كان في السلطة عندما أدار وفد أمريكا في الأمم المتحدة، أو خارجها فإنه كان من هؤلاء الذين يعتقدون في تغيير العالم بالإطاحة بنظام وراء آخر في مناطق الجنوب العالمية بداية من العراق ثم المضي قدماً إلى سوريا وليبيا وإيران وفنزويلا وكوريا الشمالية.

وهكذا دول ونظم. هو من أصحاب التركيبة اللفظية الخاصة التي ترجح وتقطع؛ ومن الذين يتأرجحون أحياناً على ظلال العنصرية. مثل هذه الحالة في الحقيقة ليست متوافقة، وبالتأكيد ليست متطابقة، مع رئيسه ترامب الذي يمكن تصنيفه معه في إطار من يسمون بالمحافظين القوميين٬ أو القوميين البيض.

ورغم بعضاً من التماثل الفكري، والشخصي، فقد جرت الإطاحة بالرجل لكي ينضم إلى طابور طويل من الشخصيات الأخرى كان فيها «ستيف بانون» المحافظ جداً والمستشار الاستراتيجي للرئيس، ومن بعده يمكن حساب اثنين ممن تولوا مهمة مستشار الأمن القومي هم مايكل فلين، وإتش آر ماكمستر، وإذا أخذنا مجموعة السياسة الخارجية والأمن القومي فسوف نضم ريكس تيلارسون وزير الخارجية، وجيم ماتيس وزير الدفاع. وفي العموم فإن دونالد ترامب هو من أكثر الرؤساء الأمريكيين مللاً برفاقه الذين يتغيرون بمعدل سريع يجعل المراقبين في حالة الحيرة طوال الوقت.

لماذا لأسباب غير الملل أطاح ترامب بمستشاره؟ أولاً لأنه أياً كانت مساحة الاتفاق الفكري فإن المسافة العملية بين الرئيس وبولتون كانت كبيرة؛ وثانياً والمرجح أن كلاهما لم يكن قادراً على فهم الآخر، فلا كان ترامب قادراً على التخلص من شخصيته الشعبوية.

ولا كان بولتون قادراً على التخلص عما يغيظ رئيسه تماماً وهو النزعة الأكاديمية والفلسفية؛ وثالثاً أن بولتون، مثل آخرين، لم يكن يعرف الهدف النهائي End Game الذي يريد ترامب تحقيقه، فلا عرف ذلك في المفاوضات مع كوريا الشمالية فارتكب بولتون كارثة عندما قال لكيم جونج- أون أنه يريد تطبيق «النموذج الليبي» عليه؛ فساعتها أيقن ترامب أن على بولتون أن يذهب!

Ⅶ كاتب ومحلل سياسي

 

Email