نحن والتحديات

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يكن طريق النجاح يوماً مفروشاً بالورود، بل هو طريق شائك مليء بالصعوبات والتحديات، ولا بد من التغلب على جميع هذه التحديات للوصول إلى خط النهاية وتحقيق النجاح المنشود.

ففي مسيرة الأشخاص والأوطان تبرز مئات العقبات، كما في سباق الحواجز في عالم الرياضة، لكن الفرق في الحياة الواقعية هو أن الحواجز والعقبات تختلف في نوعها وشدّتها، فنجد عقبات اقتصادية وأخرى اجتماعية وثالثة ذاتية المنشأ.. ومهما كان نوع وشدة العقبات فلا بدّ من مواجهتها بكل كفاءة واقتدار لضمان التغلب عليها والوصول إلى الأهداف المرجوة.

ليس خافياً ما يتعرض له عالم اليوم؛ من تغيرات وتحدّيات اقتصادية واجتماعية وتنموية وأمنية تهدّد العديد من المجتمعات والدول، ونحن لسنا بمعزل عن هذه التغيرات، ولا سيما في ظلّ تعاقب الأزمات المالية العالمية والتحديات السياسية، وصعوبة الأوضاع الأمنية في المنطقة، والتي تترك - من دون أدنى شك - تأثيراً بالغ السلبية على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والتنموية في المنطقة ككل.

حققت دولة الإمارات العربية المتحدة عامة، ودبي على وجه الخصوص؛ قفزات نوعية في مختلف الميادين وفي زمن قياسي، وأصبحت مضرب المثل في الإدارة الحكومية، لأنها اتبعت منهجاً راسخ القواعد، واعتمدت سلوكيات حكومية ضمنت من خلالها تحقيق التنمية الشاملة والتطوّر المستمر في جميع المجالات، لأنّ الإدارة الحكومية الناجحة هي قاطرة التنمية وموجّهها، وهي الأقدر على مواجهة التحديات عبر الشراكة الحقيقية مع القطاع الخاص ومع الجهات المعنية في الدولة.

ورغم ما تمّ إنجازه وتحقيقه خلال العقود الماضية، إلا أننا لا نستطيع أن نركن إلى هذه الإنجازات ونتوقف عند هذا الحدّ معتبرين أننا قد وصلنا إلى خطّ النهاية، فالزمن لا يتوقف، والأيام حبلى بالمفاجآت والمستقبل قادم بتغييرات كبيرة، وعلينا أن نكون مستعدّين لهذا المستقبل، وأن نتهيّأ له بكلّ ما نمتلك من إمكانيات وموارد لنشارك في صنعه وتلافي تأثيراته السلبية.

وقد أدركت قيادتنا الرشيدة برؤيتها الثاقبة أهمية هذا الأمر للوصول إلى التطوّر والتقدّم المنشود، وبناء مستقبل يليق بدولتنا الحبيبة، فقد قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله»: «لا يمكن لأمة طموحة أن تحقق أهدافها بالركون إلى إنجازات الماضي».

لذلك فمن الضروري توحيد جهود جميع الأطراف، لمواجهة التحديات وتقليل تأثيراتها السلبية لكي نكون قادرين على صناعة مستقبلنا كما نريد له أن يكون.

ورغم أنّ إدارتنا الحكومية حقّقت خلال السنوات القليلة الماضية أداءً عالمياً متميزاً، وأصبحت مثالاً يحتذى في التطوير الإداري وتحسين الخدمات الحكومية والاهتمام بالإنسان، إلا أنّ معطيات الزمن تتغير بصورة متسارعة، تتطلّب معها تغيير الأساليب وتطويرها بما يستجيب لما يحيط بنا من متغيرات.

فنحن نشهد كل يوم شيئاً جديداً مختلفاً ونوعياً في جميع مجالات الحياة، ونجد في كل زاوية إمّا فرصة أو محنة، لأنّ هذه هي حال الدنيا التي لا تتوقف عن التقلّبات، لذلك علينا ألا نستسلم أمام الصعوبات، ويجب أن نحوّل المحن إلى فرص حقيقية نستفيد منها في عملية التطوير.

ولكي نحقّق ما نطمح إليه، علينا أن نسلّط الضوء على فرص ومجالات التطوير والتحسين لضمان استمرارية واستدامة نجاحنا وتفوقنا، وحتى نضمن المحافظة على قدراتنا التنافسية التي تمكننا من المنافسة والتفوق عالمياً.

لقد اعتمدت إدارتنا الحكومية العديد من المناهج والسلوكيات الإدارية الناجحة لتحقيق التطوير والتميز الحكومي، ومنها قياس جودة الخدمة وقياس رضا الموظفين ورضا الناس وسعادتهم، بهدف التعرف على فرص التحسين ومواقع القوّة، وكسب ولاء الموظفين والمتعاملين؛ وضمان تطور الأداء الحكومي والارتقاء بظروف بيئة العمل، ويجب أن تستمر هذه المناهج وتتعاظم لتشمل أساليب نوعية ومتطلبات جديدة تعكس الرأي الحقيقي للناس داخل الدوائر وخارجها للحكم على حجم ونوعية التطور الحقيقي في الأداء والخدمة المقدمة.

وأعتقد أن على الجهات الحكومية بذل المزيد من الجهد والعمل للاهتمام بخدمة الناس والاستماع إليهم والتواصل معهم والإصرار على بناء شراكات حقيقية متوازنة وبناءة مع القطاع الخاص.

ومن الملائم لمواجهة الظروف الاقتصادية إعداد وتشكيل فريق اقتصادي حكومي مبادر وكفؤ وفعال من كل الجهات الحكومية المعنية لمقابلة رجال الأعمال والمستثمرين داخل الدولة وخارجها لجذبهم للاستثمار وحتى المعيشة في دبي وتسهيل مهمتهم وتوفير الظروف الملائمة للاستثمار والعيش الرغيد، يجب أنّ نعدّ فريقاً اقتصادياً مبادراً يخرج إلى الميدان؛ يتحدّث مع الناس ويستمع إلى همومهم على جميع المستويات الشخصية والمهنية من أجل وضع خطط تضمن توفير الظروف الملائمة لهم وتحقيق الرضا والسعادة التي ينشدونها.

كما يجب على الجهات الحكومية المركزية أن تمارس دورها الرقابي بشكل أكثر انتظاماً ودقّة، ولا سيّما في المجالات الإدارية والمالية وعلى مستوى النتائج والإنجازات، وعلى برامج التميز أن تفعّل عملية التقييم المستمر للأداء لكي تكون النتائج حقيقية وتعكس واقعاً حقيقياً، وليس صورة مؤقتة من أجل الحصول على جائزة ومكافأة للأداء المتميز.

فالنجاح والتفوق لا يكون من أجل الحصول على الجوائز رغم أهميتها، وإنّما الأهم هو أن يطوّر الإنسان من أدائه بما يخدم وطنه على الوجه الأمثل، ويساهم في تطويره وبناء مستقبله.

لذلك لا يكفي أن تقدّم نتائج القياس في الأداء الحكومي أرقاماً مجردة، بل يجب أن تقيس تأثير الأداء في المتعاملين والموظفين والمجتمع ككل، وفي الاقتصاد والتنمية وفي سمعة الدولة والوطن، كما يجب أن تعكس النتائج الدور الذي تقوم به هذه الجهة أو تلك لتحقيق التنمية الشاملة وخدمة البلاد والعباد.

علينا أن نجدد ونجتهد ونبادر ونفكر ونبتكر حتى نحقق النجاح الذي نسعى إليه جميعاً، فكما قال صاحب السمو محمد بن راشد:

«النجاح لا يُقاس بموقعنا بقدر ما يُقاس بقوة إرادتنا على الثبات أمام التحديات».

 

Email