رئيس وزراء الانتهازية

ت + ت - الحجم الطبيعي

غداً الانتخابات التشريعية الإسرائيلية، بنيامين نتانياهو يواصل حلمه بالبقاء والسيطرة والصلف والانتهازية والابتزاز وممارسة كل صنوف الخداع والنصب السياسي من أجل مصلحته الخاصة، كلما اقتربت ساعات الانتخابات ازدادت هواجسه ومخاوفه من دخول السجن.

فالفساد ضارب في مشواره حتى النخاع، ليظن أنه الأذكى، ويراه الآخرون انتهازياً من طراز فريد، نرجسياً جاهزاً لأن يحرق من حوله من أجل الجلوس على كرسي الحكومة.

قبيل التوجه إلى صناديق الاقتراع لجأ نتانياهو إلى قاموس دغدغة مشاعر المتعصبين والمتطرفين الإسرائيليين بإعلانه ضم منطقة غور الأردن وشمال البحر الميت إلى السيادة الإسرائيلية في الوقت الذي يترقب فيه العالم ما يسمى بصفقة القرن التي قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنه سيعلنها عقب إعلان نتائج الانتخابات الإسرائيلية.

والسؤال هنا: لماذا قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي الإعلان عن هذه الخطوة الآن وما الذي يترتب عليهاا؟ وهل كانت متوقعة؟ وما انعكاساتها على عملية السلام؟

هذه الخطوة تتوافق تماماً مع السجل الانتقامي لنتانياهو، فهو الذي قام من قبل بضم هضبة الجولان رغم عدم اعتراف العالم بهذه الخطوة، مثلما حدث أيضاً مع نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، فهو أكثر رؤساء وزراء إسرائيل الذي بذل جهوداً في تشويه ملامح السلام في المنطقة عبر بناء مستوطنات إسرائيلية في القدس والضفة الغربية أجمع العالم بأنها العقبة الكبرى أمام تحقيق السلام.

أيضاً يترتب على ضم غور الأردن وشمال البحر الميت نتائج كارثية على عملية السلام، إذ إنها بمثابة إعلان وفاة لحل الدولتين وتجميد أي محاولات من شأنها تحريك عملية السلام في المنطقة، وإنها عملية ممنهجة لإفشال مسبق لصفقة القرن.

فليس من المعقول والمقبول هذا العبث «النتانياهو»، فالمنطقة التي يريد ضمها تشكل حوالي 30% من الضفة الغربية، وبالتالي لن تتبقى أراضٍ لقيام دولة فلسطينية.. أي تخريب وأي استفزاز هذا الذي يمارسه رئيس الوزراء الإسرائيلي؟

بكل تأكيد فإن تفكير نتانياهو يقول بما لا يدع مجالاً للشك بأنه خارج حسابات السلام بالمنطقة، وأنه لم يكترث حتى لقرارات أقرب حلفائه الرئيس الأمريكي ترامب الذي يعمل منذ عامين ونصف العالم على صياغة ما يسمى بصفقة القرن.

لو سلمنا بأن هذه الخطوة جاءت لمغازلة الناخبين ولعبوره إلى أربع سنوات جديدة، فعليه أن يعلم أنه بهذه الخطوة سيخلق حالة غليان وصدام واشتعال ربما يعجز عن مواجهتها، سيما أن بعض الأحزاب الإسرائيلية غير مرحبة بهذه الخطوة، فضلاً عن أن هناك إجماعاً عربياً وإسلامياً ودولياً على رفض ومواجهة هذه الخطوة، وأن الاتحاد الأوروبي الذي يضم 28 دولة منها دول كثيرة حليفة وصديقة لإسرائيل عارضت هذه الخطوة، وأن الولايات المتحدة الأمريكية لم يطب لها الإعلان عن هذه الخطوة قبل إعلان جاريد كوشنر مستشار الرئيس الأمريكي عن تفاصيل ما يسمى بالصفقة.

كل الأوراق تداخلت، المعلومات تضاربت، الغموض يكتنف ما تحمله الأيام المقبلة بشأن مستقبل عملية السلام، والتعقيدات تزداد.

الرئيس الفلسطيني محمود عباس يعلن أنه سوف يوقف جميع إجراءات التنسيق مع الجانب الإسرائيلي، حال تنفيذ نتانياهو هذا القرار.

وسط هذه المخاوف وحالة عدم اليقين السياسي التي تمر بها عملية السلام فيجب الإسراع بمجموعة من الخطوات لإجهاض خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي في مقدمتها: ضرورة التحرك بكثافة لفضح خطة نتانياهو والتأكيد على تأثيرها المدمر على السلام بما لها من تأثيرات تصب في صالح التنظيمات الإرهابية المتطرفة.

والإسراع بعقد قمة عربية طارئة حتى تكون رسالة فاصلة وقوية للعالم بأن هذه الخطوة إنما هي لعب بنار المنطقة، ودعم الشعب الفلسطيني على الأرض والسلطة الوطنية الفلسطينية حتى يستطيعوا مواجهة ما يترتب على هذه الخطوة، وتوحيد الصف الفلسطيني، فليس مقبولاً في ظل هذه الأخطار التي تحدق بالجميع أن يكون هناك انقسام فلسطيني فلسطيني، فلم يعد هناك شيء يمكن الانقسام حوله.

* رئيس تحرير مجلة «الأهرام العربي»

 

Email