تعدّدية الإمارات وحقوق أبنائها

ت + ت - الحجم الطبيعي

الدول التي صارت عظمى في العصور الحديثة بنيت بأياد متعددة الألوان والأعراق والقدرات والملكات. الولايات المتحدة الأمريكية – المصنفة باعتبارها أرض الأحلام - تحوي عشرات الأعراق والأجناس.

بريطانيا – وجهة شعوب مشارق الأرض ومغاربها - تغيرت تركيبتها الديموغرافية بشكل شبه كامل على مدار ما يزيد على سبعة عقود، وتعد تعدديتها العرقية أحد أبرز نقاط الجذب فيها، لا سيما المدن الكبرى. وفرنسا لا تختلف كثيراً، وكذلك إسبانيا، والقائمة تحوي الكثير.

لكن هذا الكثير ليس نهاية المطاف في ملف الدول متعددة الأعراق. ولكل دولة ظروفها وأولوياتها وخصوصياتها التي لا يحددها سواها، ولا تقررها سوى شعوبها. وقبل نحو ثلاثة عقود، بزغت دولة الإمارات العربية المتحدة لتصبح نقطة جذب رئيسية للباحثين عن تحقيق حلم.

وحيث إن الأحلام لا تتطابق بحكم اختلاف أصحابها، فهناك من قدم إلى الإمارات بحثاً عن مستوى معيشي أفضل، أو آملاً في جودة حياة أعلى، أو هادفاً إلى بلورة حلم عز على التحقيق في بلده لأسباب مختلفة.

وتفردت الإمارات بقدرتها الحقيقية على أن تجمع بين نقاط الجذب المتوافرة في الغرب من حيث مستوى الحياة ونوعيتها وجودتها والمواكبة (وأحياناً السابقة) لمعايير الدول الغربية في المدنية الحديثة، وفي الوقت نفسه تحافظ على إطار ومقومات العادات والتقاليد والأعراف العربية الأصيلة، وذلك دون جمود أو تشدد أو تعسف. هذه الخلطة الفريدة جعلت من الإمارات وجهة خفيفة على القلب متمكنة من العقل لملايين الحالمين في بقاع الأرض.

ويكفي أن ملايين من الشباب والشابات العرب من تلك الفئة التي حظيت بتعليم وتنشئة جيدة، والتي تنعم في بلدانها بمستوى معيشي جيد لا يدفعها للهجرة الاقتصادية بحثاً عن منفذ مادي، باتت تعتبر الإمارات وجهة مفضلة في إطار رحلة البحث عن الذات والعمل والمستقبل والحلم، واضعين إياها على قدم المساواة مع الوجهات الكلاسيكية مثل أمريكا وبريطانيا وألمانيا.

تحولت الإمارات إلى دولة صديقة للتعددية جاذبة للأعراق والأجناس والألوان فعلاً لا قولاً. والدول والمدن لا تكتسب صفة التعددية بقرارات أو مراسيم، ولكن بشق الأنفس والعمل الجاد والمستدام. قوانين تحقق العدل والمساواة.

إجراءات تضمن مقومات البيئة المواتية للإبداع والاجتهاد. أطر واضحة للمحاسبة والمراقبة. وتكلل كل ذلك بتفرد غير مسبوق في مجالات تشجيع الإبداع ودعم الابتكار واحتضان كل ما من شأنه أن يكون قادراً على استشراف المستقبل والاستعداد له بالبحث والتأهيل.

ويستمر التفرد والاحتضان والدعم، ومعها تستمر المراجعات والمتابعات، وهي ضرورة لضمان استمرارية النجاح واستدامته. والحقيقة أن علاقة المقيمين من العاملين بالإمارات لم تعد مجرد علاقة موظف بصاحب عمل، أو مهاجر مؤقت بدولة حاضنة تمنحه «تحويشة العمر»، بل تحولت علاقة إنسانية من طراز رفيع.

أعرف العشرات من الأصدقاء والصديقات ممن يقيمون في الإمارات منذ سنوات طويلة. أبناؤهم وبناتهم ولدوا وتربوا وكبروا هناك. حياتهم في الإمارات بتفاصيلها الصغيرة والكبيرة ليست حياة اضطرار اجتماعي أو احتياج مادي، لكنها حياة يفضلونها لأنهم اعتادوها وأحبوها. وهذا مقياس ومعيار الدول الجاذبة للإنسانية الصديقة للآدمية.

لذلك، فإن الكشف عن وجود نوع من الخلل في نسبة المواطنين العاملين في مؤسسات الإمارات المختلفة أمر يدعو كل من يحب هذه الدولة أن يدعم تحركاتها الوطنية لمعالجة هذا الملف بالغ الأهمية. أبناء الإمارات وبناتها القادمون والقادمات بقوة وثقة أثبتوا قدرات فائقة في كل ما يتم تكليفهم به من مهام وأعمال، وهو ما يعني أن الحديث عن توطين بعض الوظائف بات استحقاقاً.

ملف التوطين الذي طرحه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي يقلق البعض من المقيمين وغيرهم من الحالمين باللحاق بأحلامهم من خلال الإمارات.

لكن أغلب الظن أن نموذج التعددية ومثال التسامح والاحتضان اللذين قدمتهما الإمارات للعالم لا يضيره توطين الوظائف لأبناء الإمارات في العديد من المؤسسات والمجالات. والمجتمع الذي ذاق حلاوة التعددية واحترام الاختلاف والتعايش في بيئة متعددة الثقافات بتناغم كامل لن يتخلى عنها، بل سيجتهد من أجل الإبقاء على صحة التوازن وجودة الأداء وتفرد النموذج وريادته عربياً.

عربياً، سيتابع الجميع ما ستنجزه الإمارات في هذا الملف الحيوي بعين المحب وقلب المدرك لمصلحة من يحب وعقل الواعي بأنه لا يصح سوى الصحيح والمنطقي. تفاصيل إنجاز الملف وخطواته وإجراءاته شأن إماراتي داخلي من ألفه إلى يائه.

لكن العالم سينظر ليشاهد خطوات التنفيذ، لأن هذا البلد أثبت بالحجة والبرهان على مدار عقود قدرة فائقة على إدارة الملفات الصعبة بسلاسة كبيرة وتخطيط محكم ودراسة متأنية، وهي مكونات أي منتج نهائي بالغ الجودة مستديم المفعول. وستظل الإمارات وجهة لكل مهتم بالاطلاع على مكونات صناعة قصص النجاح، وضمان استدامتها عبر مراجعات مستمرة وتحديثات متأنية.

Email