التوطين في رسالة محمد بن راشد

ت + ت - الحجم الطبيعي

في «رسالة الموسم الجديد»، ركز صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم على أهم القضايا الوطنية والاقتصادية ذات الأولوية، والتي تمسّ كافة مفاصل العمل المؤسسي والمجتمعي.

حيث حدد البند الأول من الرسالة: وظيفة المسؤولين ومهامهم، فيما دعا سموه في البند الثاني إلى إيقاف العبث والفوضى على وسائل التواصل الاجتماعي للحفاظ على مصداقية دولة الإمارات وسمعتها الطيبة وتعزيز مكانتها وصورتها الإيجابية وسط الأمم والشعوب.

أما في البند الثالث فقد طرح سموه «ملف التوطين» باعتباره أولوية دائمة، مؤكداً سموه جملة من القرارات الحيوية التي سيتم اتخاذها فيما يتعلق بهذا الملف.

ويتعذر على المهتم بقضايا الوطن أو المواطن، متابعة الكمّ الهائل من زخم الفعاليات والإنجازات والمبادرات والمشروعات الإنمائية والخدمية، التي يتم الإعلان عنها من حين إلى آخر، متمثلة في العديد من البرامج والمشروعات التي في مجملها تهدف إلى رفعة الوطن وخدمة المواطن، تحقيقاً لوعود سابقة قطعتها القيادة الرشيدة على نفسها.

فإذا بها تتحول من أفكار إلى مشروعات إنمائية ذات أهداف تم التعريف بها، وها هي القيادة الرشيدة تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنها توفي بما وعدت، وأن المواطن كان وما زال يحتل سلم الأولوية في بنود خطة الحكومة الاتحادية، ذلك أن المواطن كان وسيظل أيضاً وسيلة تحقيق التنمية وغايتها.

والقارئ لاستراتيجية حكومة الإمارات انطلاقاً من رؤيتها ورسالتها وقيمها وأهدافها، لا يفوته إدراك أن الهدف النهائي وراء إعداد الاستراتيجية، لم يكن ترفاً فكرياً لذر الرماد في العيون، أو لإيهام الناس بأن الدولة تزرع لهم أوهاماً.

فقد أثبتت التجارب أن الاستراتيجية التي طرحها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في مايو 2006، وطالب كل المؤسسات والجهات التابعة لحكومة الإمارات بأن تبادر بإعداد خطط استراتيجية تساير نمط استراتيجية الدولة.. قد تم بالفعل وضع خطط تشغيلية لتنفيذ مقاصدها على أرض الواقع.

كما أثبتت كل الوقائع والدلائل أن الدولة تجاوزت أهداف الاستراتيجية بمراحل، بعد مرور 13 عاماً على إطلاقها، وذلك من خلال سلسلة من المبادرات والمشروعات الإضافية التي لم تكن مضمنة أصلاً في الاستراتيجية، يتعذر حصرها في هذه المقالة. وتكفي الإشارة إلى «أبشر» كآخر مبادرة تم إطلاقها، وتبدو أهميتها في حجم النتائج التي تنجم عن تطبيقها.

تتمحور «أبشر» كمبادرة حول إعلاء قيمة رأس المال البشري والارتقاء بقدرات المواطن لتحسين أدائه الوظيفي والمهني، ليسهم بفعالية في عمليات الحراك التنموي في هذا الوطن المعطاء. ويدرك المهتم أن «أبشر» جاءت تحمل البشرى لكل مواطن لديه الرغبة والقدرة للمشاركة بفعالية في تطور وتقدم هذا الوطن.

«أبشر» هدفها الأساسي هو إتاحة فرص العمل في شتى القطاعات وفي مختلف إمارات ومناطق الدولة، عبر تبني سياسات عملية وبناءة تم وضعها لتخلق مناخاً في سوق عمل محفز وجاذب للشباب من المواطنين، وعلى نحو يزيل الفجوة في الأجور بين القطاع العام والقطاع الخاص.

ولا سبيل إلى ذلك إلا بتوفير مظلة تشريعية من شأنها تحفيز الشباب للعمل لدى القطاع الخاص بشروط مجزية. ومعلوم أن القطاع الخاص، كما نصّت الاستراتيجية، أصبح شريكاً استراتيجياً للقطاع العام، ومن ثم فإن نجاح «أبشر» رهين في تقديري بعوامل ثلاثة، تتمثل في الآتي:

أولاً: دراسة وتحليل واقع سوق العمل في الدولة حاضراً ومستقبلاً. ثانياً: ضمان مشاركة وتفاعل القطاع الخاص لضمان نجاح مبادرة «أبشر» عبر تفعيل الشراكة مع القطاع العام. ثالثاً؛ الحاجة إلى تكثيف الدورات التدريبية للمواطنين.

ومن جهة أخرى، يلاحظ القارئ لحيثيات «أبشر» أنها اختلفت من حيث الشكل والمضمون عن كل مبادرات التشغيل السابقة، لسبب رئيسي وهو أنها جاءت نتيجة دراسة تحليلية معمّقة، اعتمدت على قراءة إحصائية لأعداد المواطنين الباحثين عن عمل. فضلاً عن دراسة واقع سوق العمل بكل تجلياته وإسقاطاته الاقتصادية والاجتماعية.

المبادرة في مجملها تنعش وتغذي الاستراتيجية الوطنية، وتخدم البعد التطبيقي لاقتصاد قائم على المعرفة. كما تؤسس قاعدة متينة لمفهوم التنمية المستدامة، التي تتوسع فيها الخيارات أمام الأجيال القادمة. و«أبشر» من منظور آخر، تمثل إطاراً للتنافسية بين الشباب، وتولد الدافعية للجادين الباحثين عن عمل، أي أنها ببعديها الاقتصادي والاجتماعي، تعد في تقديري أول خطوة استباقية جادة في اتجاه إصلاح الخلل في التركيبة السكانية.

ودعوة صريحة للمواطن لإثبات جدارته ليسهم في دفع عجلة التنمية المستدامة في هذا الوطن المعطاء. واقترح أن يترك باب «أبشر» مفتوحاً ومستمراً على مصراعيه خاصة بعد «رسالة الموسم الجديد» التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لتتاح الفرصة لمؤسسات الدولة الرسمية وشركات القطاع الخاص والمنظمات والجمعيات، لتتخذ من التدابير والإجراءات ما يؤكد تفاعلها مع «المبادرة ورسالة سموه للموسم الجديد»، عبر الإسهام في ترسيخ مفهوم المسؤولية الاجتماعية، وخاصة فيما يتعلق بقضايا التوطين.

* كاتبة إماراتية

 

Email