التطوير وليس التنظير

ت + ت - الحجم الطبيعي

أنجزت إمارة دبي خلال السنوات القليلة الماضية ما لم تستطع إنجازه أي مدينة أخرى خلال قرن من الزمن، ليس لأنها تمتلك ثروات طبيعية نادرة، أو موارد اقتصادية هائلة، ولا لأن لديها خبراء أكاديميين ومنظّرين..

فكثير من مدن العالم تمتلك موارد أكبر ومنظرين أكثر، ولكنها لم تحقق الكثير من التطور والنمو. استطاعت دبي تحقيق إنجازاتها لأنها مدينة الأفعال لا الأقوال. مدينة التطوير والعمل والإنجاز، ولا تعوّل كثيراً على التنظير وإطلاق الشعارات التي لا تُجسَّد على أرض الواقع.

قيادة دبي الملهمة أخذت على عاتقها تحقيق التطوير والإنجاز بعيداً عن الخطابات الرّنّانة، ودليل ذلك ما نلمسه على أرض الواقع من إنجازات يشار إليها بالبنان، لأنّ قائد هذه الإمارة وملهِمها الأول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، يوجّه دائماً بضرورة نزول المسؤولين والوزراء إلى الميدان، لأنّ الإنجاز الحقيقي يتمّ في الميدان ويلمسه المواطن والمقيم والزائر.

وهذا ما أشار إليه سموّه في رسالته للموسم الجديد، والتي وضعت موضع التطبيق والتنفيذ مباشرة، الأمر الذي أكّده سموّه منذ أيام بقوله: «الرسالة التي بعثناها وصلت، والأفعال أهم من الأقوال، وسنتابع ما وعدنا به».

لقد لمست هذا الأمر أثناء دراستي للدكتوراه في المملكة المتحدة، إذ لاحظت بوضوح حجم الفرق في القدرات بين الموظف الذي أفنى سنوات عمره وهو يعمل في الميدان، وبين النظريات التي يتحدث عنها الأساتذة والمحاضِرون في الجامعة، كما عرفت العديد من طلبة الدكتوراه المتميزين أكاديمياً، والذين قدموا رسائل الماجستير والدكتوراه دون أن يدخلوا الميدان العملي، فكان الكثير منهم يحاضر عن أمور نظرية لا يعرف كيف يجسدها على أرض الواقع، وإنما كانت مجرد نظريات يصعب تطبيقها.

لذلك أرى أن الجامعات يجب أن تكون قريبة من الواقع العملي، وأن تسعى إلى تطوير مناهجها بما يضمن تخريج أجيال من الأكاديميين العمليين القادرين على النجاح في ميادين العمل، والمتسلّحين بالخبرة الميدانية إلى جانب المعرفة الأكاديمية.

ومن خلال خبرتي المهنية المتخصصة الممتدة، التقيت بكثير من الأكاديميين والخبراء ممن يجيدون التنظير ويحترفون تقديم العروض المبهرة، وعندما يتم وضع ما يقولونه موضع التطبيق تتحول كلماتهم وعروضهم إلى مجرّد حبر على ورق.

كثيراً ما نرى هذه النماذج في عالمنا العربي، ونرى الوزراء والمسؤولين والقادة والسياسيين يتبارون في إلقاء الخطب الرنانة، ويتسابقون لإصدار البيانات الوزارية، وينشرون خطط العمل والأهداف ودراسات الجدوى في الصحف الرسمية، ولكن وللأسف لا نرى على أرض الواقع أثراً إيجابياً أو نتائج متحققة لأي من هذه الخطط، لأنّ الكلام تحمله الريح ويتبخّر في الهواء، بينما الأفعال تبقى راسخة في الأرض لتعطي ثمار الإنجاز الذي ينشده رجال الفعل البعيدون عن التنظير.

وقادة دولة الإمارات العربية المتحدة رجال فعل لا قول، إنجاز وعطاء لا خطب ونظريات، فحتّى في الأوقات الصعبة، حافظوا على انحيازهم للعمل والعطاء.

وهذا أمر لمسناه في تنفيذ مشروع مترو دبي، الذي تمّ في وقت عانى فيه العالم بأكمله من ويلات أزمة اقتصادية خانقة في العام 2008، ومع ذلك، ومع أنّ دبي مثل غيرها من مدن العالم شهدت هذه الأزمة، إلا أنّها لم تستسلم للتحديات والمعوقات، فتمّ استكمال مشروع مترو دبي وافتتاحه في الموعد المحدّد ودون أي تأخير، وكان ذلك في الساعة التاسعة من يوم 9/‏9/‏2009، لنحتفل اليوم بمرور عشرة أعوام على إنجازه.

وخلاصة القول إن الفعل أمضى من القول، وإنه هو الذي يصنع النجاح الحقيقي، والتطور الذي ينفع البلاد والعباد، ولذلك، ولله الحمد، فإنّ دبي والإمارات عموماً في تطور مستمر ودائم، ولا ينوي قادتها وشعبها التوقّف عن هذا التطوّر، لأنّهم بطبيعتهم منحازون إلى العمل والعطاء والإنجاز، ومؤمنون بأن الفعل أنفع من الكلام والتطوير أقوى من التنظير، وهذا الأمر كان جليّاً في رسالة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد الملهِمة المتضمّنة الدعوة إلى العمل والتطبيق والإنجاز وتغليب الهمة والعزيمة، والعزم على الأقوال والكلام.

* مستشار أول للأداء الحكومي - المجلس التنفيذي لإمارة دبي

 

Email