دور المجتمع في مواجهة الإعلام الموجه

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يخفى على أحد تأثير وسائل الإعلام على الدول والمجتمعات، فالإعلام اليوم وخاصة في ضوء التقنيات الحديثة أصبح أحد أعتى الأسلحة التي تستخدمها الدول والجهات المعادية للتأثير على الدول الأخرى.

وزعزعة أمنها واستقرارها، وتأليب الدول والمجتمعات والمنظمات عليها، فهو سلاح لا يقل خطورة عن أي سلاح آخر، ما يحتم على كل مجتمع التحلي بدرجة عالية من الوعي، لتحصين نفسه من هذه الوسائل الموجهة، والتصدي لها بوعي وحكمة.

ونظراً لخطورة وتأثير الإعلام وخاصة الإعلام الإلكتروني الذي يخترق حواجز الزمان والمكان سعت التنظيمات المتطرفة لتوظيفه في خدمة أهدافها الإجرامية، يقول القرضاوي الأب الروحي لتنظيم الإخوان الإرهابي:

«لا بد للحركة أن تستعين بفنيين متخصصين في مخاطبة العامة والخاصة، والاستفادة من علوم النفس والاجتماع والسياسة والإعلام، وتجنيدها لخدمة أهداف الحركة»، ويقول الظواهري زعيم القاعدة: «إني أدعو جميع العاملين في الإعلام أن يبذلوا أقصى ما في طاقتهم، فهم جزء أساسي من الحركة الإرهابية»، ولا يقتصر الاستغلال الموجه للإعلام على الاتجاهات الدينية المتطرفة فقط، بل يمتد ليشمل كل الاتجاهات المتطرفة على اختلاف خلفياتها السياسية والثقافية والفكرية، التي تسعى للإضرار بالدول والمجتمعات، بطرق وأساليب متعددة، بعضها مباشر ومكشوف، وبعضها يلبس ألف قناع.

إن كل فرد اليوم في أي مجتمع هو جندي مسؤول عن وطنه في ساحات الإعلام، وخاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبحت في متناول أيدي الجمع، وعليه ألا يستهين بالكلمة التي يكتبها أو ينطقها، فالكلمة اليوم من أمضى الأسلحة في الدفاع عن الأوطان، والمحافظة على منجزاتها وسمعتها الطيبة ورد المكائد والمؤامرات عنها، وقد نبهنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بقوله:

«إن من البيان لسحرا»، أي كالسحر من شدة تأثيره على الناس، وغلبته على قلوبهم وعقولهم، ومن أهم الوسائل لتحصين المجتمعات من الإعلام الموجه رفع درجة الوعي، والتذكير بخطر الإعلام الموجه، والتعريف بأساليبه وتأثيراته وطرق الوقاية منه والتصدي له، فقديماً قيل: عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيه، ومن لا يعرف الخير من الشر يقع فيه، وقيل أيضاً: الوقاية خير من العلاج، ومتى صادف الإعلام الموجه قلة معرفة وخبرة من المتلقين سرى فيهم سريان السم في العروق، ومتى اصطدم بصخور العقول الواعية والأذهان المتيقظة تحطم واندحر.

ومن الوسائل المهمة أيضاً في هذا الباب تحصين المجتمعات من الإشاعات والأكاذيب، التي يروجها الإعلام الموجه، وما يعين على ذلك غرس مبدأ الثقة وحسن الظن، وخاصة تجاه القيادات والرموز والسياسات العليا وكل ما يمس أمن المجتمع واستقراره، وقد نبهنا الله تعالى إلى ذلك بقوله:

{لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين}، فقد حاول المغرضون آنذاك التأثير في المجتمع النبوي وزعزعة استقرار الدولة بنشر إشاعة كاذبة تمس سمعة القائد الأعلى والنبي الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك في حادثة الإفك، فأنزل الله هذه الوصية العظيمة التي تأمر المؤمنين بأن يحسنوا الظن ببعضهم البعض.

وألا يتأثروا بالإشاعات التي تنافي هذا المبدأ الأصيل، وبينت الآية الكريمة أن جميع أفراد المجتمع بمنزلة النفس الواحدة، وأن واجب كل فرد أن يضع غيره موضع نفسه، فيحسن الظن به كما يحسن الظن بنفسه، وهذه الواقعة تبين أن استخدام الشائعات طريقة قديمة يستغلها المغرضون في كل زمان وعصر، لتشويه سمعة الدول وسياساتها وقياداتها ورموزها وقيمها.

ومن ذلك أيضاً ترسيخ ثقافة رشيدة في ردة الفعل تجاه أي إعلام موجه، بحيث تتسم بالحكمة والعقلانية والانضباط بحيث لا تؤدي الغيرة بالفرد إلى تجاوز صلاحياته، والتعدي على سياسات الدولة الداخلية أو الخارجية، مع القوة في الطرح، والتحلي بالحجة والإقناع، وكشف ما عند الإعلام الموجه من زيف وافتراء وتلفيق، بأسلوب لا يخرج عن إطار الأخلاقيات العامة، فإن من أساليب الإعلام الموجه الاستفزاز والإثارة لخلق ردود أفعال فوضوية في المجتمعات، وعلاج ذلك بالتصدي له بالحكمة والانضباط.

إن الإعلام الموجه مهما نسج من ألاعيب ومؤامرات للإضرار بالمجتمعات فهو إعلام رخيص هش يتهاوى أمام العقول الرشيدة والشعوب الواعية والمنجزات الساطعة.

مدير عام مؤسسة رأس الخيمة للقرآن الكريم وعلومه رئيس مركز جلفار للدراسات والبحوث

 

Email