الأزمة في ليبيا إلى متى؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

فجأة خرجت أنباء تشير إلى استقالة حكومة فائز السراج في ليبيا خلال الأيام القليلة الماضية لتفتح الباب أمام الجيش الليبي لبسط نفوذه على باقي الأجزاء غير المحررة، والتي لا تزال خارج سيطرته، ثم ما لبثت أن قامت حكومة السراج بنفي تلك الأنباء، لتستمر الأوضاع على ما هي عليه من انقسام وتوتر في الأراضي الليبية، ليظهر بعد ذلك المبعوث الأممي غسان سلامة في المنطقة الأسبوع الماضي وقام بزيارة جامعة الدول العربية والتقى أمينها العام السفير أحمد أبوالغيط، بعدها عقد مجلس الأمن اجتماعاً ناقش فيه الأزمة الليبية.

وقدم غسان سلامة إحاطة للمجلس عبر دائرة تلفزيونية مغلقة من طرابلس حذر فيها من استمرار الصراع على الأراضي الليبية، وتدفق الآلاف من المرتزقة عليها مما يهدد بتفاقم النزاع، وإطالة أمده، محذراً من سيناريوهين غير مستساغين بالمرة الأول، يتعلق بـ «نزاع متواصل منخفض التصعيد وطويل الأجل، وتهديد إرهابي متنامٍ عبر الحدود»، والثاني غير مرضٍ، أيضاً يتمثل في «مضاعفة الدعم العسكري من قبل الأطراف الخارجية مما يؤدي إلى تصعيد حاد يغرق المنطقة بأسرها في الفوضي».

المشكلة الآن أن المناطق غير المحررة في ليبيا والواقعة خارج سيطرة الجيش الليبي تحولت إلى ملاذ آمن للإرهابيين والمتطرفين والفارين من سوريا والعراق وأفغانستان، وربما يكون ذلك هو ما حذر منه المبعوث الأممي بشكل غير معلن لأنه يقوم بدور الوسيط بين الأطراف ولا يريد أن يعلن ذلك صراحة وسط تلك الأوضاع المعقدة الموجودة في الأراضي الليبية، حيث لا تزال طرابلس ومناطق كثيرة في الغرب الليبي بعيدة عن سيطرة الجيش الليبي رغم الانتصارات التي حققها أخيراً، إلا أن دخول أطراف خارجية على خط الصراع خاصة تركيا وقطر لدعم حكومة فائز السراج أدى إلى خلق الحالة التي تحدث عنها المبعوث الأممي من مد وإطالة أمد الصراع، بعد أن تحولت الأراضي الليبية إلى أرض حرب بالوكالة في محاولة لوقف الخسائر التي لحقت بالجماعات الإرهابية والمتطرفة في سوريا والعراق، وتحويل تلك الجماعات لأنشطتها إلى داخل الأراضي الليبية في ظل استمرار الدعم التركي والقطري اللا محدود لتلك الجماعات.

على الجانب الآخر فقد طرح غسان سلامة رؤيته بشأن مستقبل الأزمة الليبية خلال مداخلته أمام مجلس الأمن مقترحاً عقد مؤتمر دولي جديد لحل الأزمة، لتأكيد الدعم الواضح والفعّال لأي صيغة سياسية يوافق عليها الليبيون، مؤكداً أنه «لا يزال عقد اجتماع دولي بدعم نشيط من شركائنا من المنظمات الإقليمية المعنية شرطاً لا غنى عنه لاكتساب الالتزام الضروري من جانب أصحاب المصلحة الخارجيين الرئيسيين لإنهاء النزاع، واستئناف العملية السياسية المملوكة لليبيا».

أعتقد أن فرص نجاح فكرة عقد مؤتمر دولي جديد حول ليبيا تظل محفوفة بالشكوك في نتائجها إذا لم يكن هناك تصور واضح ومحدد لهذا المؤتمر المزمع عقده وضرورة تمكين مؤسسات الدولة الليبية من القيام بمهامها خاصة مؤسسة الجيش الليبي، وتمكينه من بسط نفوذه على كامل المناطق الليبية أولاً، وحظر تصدير السلاح للميليشيات والكيانات الوهمية الأخرى، وفي تلك الحالة يمكن إطلاق عملية سياسية متكاملة يختار فيها الشعب الليبي ممثليه بكامل إرادته الحرة.

وزير الخارجية المصري سامح شكري يقول إن حكومة الوفاق الآن ليست حكومة وفاق وطني، وإنما يحتاج الأمر إلى إعادة نظر فيما يريده الشعب الليبي ويختاره، ومصر مع اختيارات الشعب الليبي، ومع استقرار الدولة الليبية وإعادة هيبتها وقوتها من جديد، ودعم الجيش الليبي باعتباره مؤسسة الدولة الليبية المتفق عليها.

وأضاف: المشكلة الآن أن هناك بعض الأطراف الليبية تريد استمرار الصراع ولا توجد لديها إرادة سياسية للحل مما يزيد الموقف تعقيداً بسبب عدم الرغبة في الحل ولكل هذا ربما يكون التحرك الدولي الآن مفيداً للتوصل إلى رؤية بشأن الحل، وحدوث المزيد من التشاور حول هذه الأزمة.

على الجانب الآخر فقد التقى المبعوث الأممي غسان سلامة الأمين العام لجامعة الدول العربية السفير أحمد أبو الغيط بمقر جامعة الدول العربية التي تلعب دوراً كبيراً من أجل إيجاد خريطة طريق للأزمة الليبية، والذي أكد بدوره أن هناك تعاوناً وثيقاً بين الجامعة العربية والمبعوث الأممي لحل الأزمة الليبية المعقدة، مشيراً إلى أن المبعوث الأممي يهدف إلى العودة إلى مائدة المفاوضات مرة أخرى، والوصول إلى تفاهمات بين الأطراف الليبية المتصارعة.

وتوقع الأمين العام لجامعة الدول العربية حدوث تحركات على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وربما يكون هناك اجتماع خاص تحضره الأطراف والدول المعنية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك نهاية سبتمبر الحالي، أو أن يكون هناك بديل آخر في أكتوبر المقبل، حيث تدور مشاورات لعقد اجتماع لمجموعة الدول المعنية بالأزمة في إحدى الدول الأوروبية.

تبقى هناك العديد من الأسئلة حول جدوى التحركات الدولية حتى الآن، وعلاقة ذلك باستمرار الصراع داخل ليبيا أكثر من 8 سنوات، ومدى جدية الأطراف الدولية في إيجاد مخرج حقيقي لتلك الأزمة؟!

 

 

Email