الشراكة اليابانية- الأفريقية.. فرص وتحديات

ت + ت - الحجم الطبيعي

ربما تكون هناك بعض أوجه التشابه بين اليابان وأفريقيا، إذا نظرنا إلى التجربتين اليابانية والأفريقية في ظل ما مر بهما من مرارة العدوان والاستعمار، والفرق أن اليابان نجحت في التخلص من آثار العدوان الغاشم، وانطلقت محلقة في الآفاق بعيداً لتصبح القوة الاقتصادية الثالثة عالمياً، في حين أن أفريقيا لا تزال تعمل جاهدة على التخلص من آثار الاستعمار ونجحت فيه إلا قليلاً.

انعقاد «التيكاد 7» في شهر أغسطس هذا العام جعلني استدعي مرارة العدوان الأمريكي الغاشم على هيروشيما حينما أسقطت القوات الأمريكية قنبلة ذرية على المدينة الهادئة قبل 74 عاماً، وبالتحديد في السادس من أغسطس عام 1945 لتحصد أرواح عشرات الآلاف، وتحولها إلى أرض مقفرة، ومدينة للأشباح.

واعتقد الكثيرون حينها أنها لن تصلح للعيش ولا للحياة مرة أخرى، لكن إرادة اليابانيين ورغبتهم في الحياة، وعزيمتهم على التخلص من آثار العدوان المرير جعلهم قادرين على هزيمة روح اليأس والإحباط لتبدأ عملية إعادة بناء المدينة في السادس من أغسطس عام 1949 أي بعد العدوان بعامين، وتم إصدار قانون خاص لإعادة بناء المدينة لتتحول إلى رمز للسلام تحت شعار «التكاتف من أجل القضاء على أهوال الحروب وبناء سلام حقيقي».

تعلمت اليابان الدرس من الحروب وشرورها واختارت السلام طريقاً ونهجاً، وخلال أكثر من سبعين عاماً بعد نهاية الحرب العالمية الثانية نجحت في إعادة بناء قدراتها الذاتية، أفريقيا هي الأخرى عانت الظروف نفسها وإن لم تكن هناك قنابل نووية.

وإنما كانت هناك ولا تزال أشكال استعمارية متعددة منها الاستعمار المباشر الذي انتهى في الخمسينيات والستينيات، ومنها الاستعمار غير المباشر الذي لا يزال يأخذ أشكالاً متعددة حتى الآن، مثلما يحدث الآن في بعض دول القارة من اعتداءات التنظيمات الإرهابية والحروب الأهلية التي تحركها أجهزة مخابرات عالمية لتظل دول القارة غارقة في مستنقع الفوضى والانقسام.

نجحت دول القارة إلا قليلاً في تجاوز أزماتها وصراعاتها الداخلية والخارجية، وانطلقت تعيد بناء ما تهدم وانهار خلال سنوات الاستعمار وما تلاها، وعادت أفريقيا جاذبة لكل الأنظار.

كانت اليابان واحدة من الدول التي تنبهت مبكراً إلى أهمية «الشراكة» مع أفريقيا، وعقدت مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية الأفريقية (التيكاد) عام 1993، كأحد أقدم الشراكات التنموية مع القارة الأفريقية، لتبدأ بعدها سلسلة منتظمة من المؤتمرات الدورية للشراكة اليابانية الأفريقية تم عقدها جميعاً في اليابان باستثناء القمة السادسة التي عقدت في كينيا عام 2016.

انعقاد «التيكاد 7» يأتي وسط تحديات كثيرة تواجهها القارة الأفريقية والمجتمع الدولي، وهو ما عبر عنه الرئيس عبد الفتاح السيسي بصفته رئيساً للاتحاد الأفريقي في جلسة الافتتاح حينما أشار إلى حجم التحديات التي لاتزال تواجه دول القارة وتؤثر على مستوى الشراكة فيما بينها، في ظل مناخ دولي تجتاحه موجات الحمائية الاقتصادية والتجارية.

الشراكة اليابانية ـ الأفريقية سوف يكون لها تأثيرها الإيجابي على هذه التحديات، لأن اليابان تملك من التجربة ما يجعلها ملهمة لكل دول القارة في تخطي مشكلاتها وأزماتها الاقتصادية والسياسية، بالإضافة إلى قدرات اليابان بما تشكله من قوة اقتصادية وعلمية هائلة تجعلها قادرة على دعم التحول الأفريقي نحو التنمية والتطور.

على الجانب الآخر، فقد طرح الرئيس عبد الفتاح السيسي 3 محاور أساسية للفرص المتاحة لتعظيم الشراكة اليابانية ـ الأفريقية.

أولها: ما يتعلق بتطوير البنية التحتية الأفريقية خاصة المشروعات المدرجة ضمن أولويات الاتحاد الأفريقي مثل: مشروع ربط القاهرة برياً بكيب تاون، ومشروع الربط الكهربائي بين شمال أفريقيا وجنوبها، وربط البحر المتوسط ببحيرة فيكتوريا، ومشروعات السكك الحديدية والطرق.

ثانيها: تفعيل جميع المراحل التنفيذية لمنطقة التجارة الحرة الأفريقية بما يسهم في زيادة تنافسية القارة الأفريقية على مستوى العالم وخفض الأسعار وزيادة جاذبية الاستثمار في القارة.

المحور الثالث: يتمثل في ضرورة السعي لتوفير المزيد من فرص العمل، وزيادة التشغيل الكثيف للشباب.

 

 

Email