نظرة على الإقليم

ت + ت - الحجم الطبيعي

وجه الإقليم يتغير.. مسارات جديدة، تحديات وتشابكات تفرض نفسها بقوة على واقع المنطقة بشكل سريع ومتلاحق، توازنات دولية وإقليمية تتصارع على تحقيق النفوذ وفرض الإرادة، وفق مصالح وصراعات تجارية وسياسية وعسكرية.

المعطيات على أرض الإقليم تقول إن شيئاً ما سيحدث في القريب العاجل، وليس بالضرورة أن يكون إيجابياً، فأطراف الإقليم من الغرب والشرق تطفو فوق بركان من الغليان الذي يحتاج إلى حنكة وخبرة ورؤية ومسؤولية.

التجاذبات في الإقليم منذ ما يسمى بالربيع العربي تشير إلى أننا لم نقترب بعد من شاطئ الاستقرار، فلا تزال بصمات هذه الأحداث واضحة في المغرب العربي والخليج وسوريا والعراق، ففي المغرب العربي لا تزال الشعوب تكافح من أجل استعادة عافية دولها، وفي تونس التي تنتظر الرئيس الخامس نجد أن هناك هوساً إخوانياً كبيراً من أجل الانقضاض على السلطة والسيطرة على مفاصل الدولة، واختطاف اللحظة وفقاً لمخططات ومؤامرات خارجية تدفع بهم كورقة لإرباك المغرب العربي عبر البوابة التونسية.

لم يكن هذا الهوس الإخواني بعيداً أيضاً عن ليبيا، فما يحدث في طرابلس وغرب ليبيا تقف خلفه جماعات وتنظيمات إرهابية عابرة للحدود، وتهدف أيضاً إلى السيطرة والإمساك بمفاتيح المغرب العربي، إذ إن هناك رابطاً بين التحركات في المعركة الانتخابية التونسية وبين هوس السيطرة على غرب ليبيا. وبالتالي فإنه بالمفهوم «الجيوسياسي» فإن النتائج إن تحققت في هذا الاتجاه فإنها تصب في نفس مصالح الجماعات الإرهابية في غرب ليبيا.

إذا امتد خط القلق على استقامته إلى جنوب الإقليم فإننا أيضاً أمام نقطة ساخنة في السودان، فجماعات التخريب السياسي تلعب دوراً كبيراً في تعطيل أي خطوات إصلاحية بين الأطراف السياسية السودانية، فرغم أنه تم قطع شوط كبير في مشهد يقود إلى الاستقرار إلا أن ثمة ألاعيب خفية تحاول وضع العراقيل أمام خريطة الطريق السودانية، بهدف عدم اكتمال ملامح الاستقرار في الإقليم، وبالتالي تزيد مساحة عدم اليقين السياسي والأمني في المنطقة.

ثلاث نقاط ساخنة في غرب وجنوب الإقليم لا تنفصل عن النقاط الساخنة في الخليج والمشرق العربي، فإطالة أمد الصراعات والخلافات وعدم الاستقرار صار هدفاً استراتيجياً مشتركاً بين قوى وجماعات المصالح.

ففي سوريا يبدو أن المعركة طويلة ومستمرة سواء في إدلب في المنطقة الغربية أو شمال شرق الفرات، وهذا ما يؤكده الاتفاق التركي الأمريكي على إنشاء منطقة فاصلة على الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا.

أيضاً في العراق نجد أن الدولة مهددة بعودة «داعش» والجماعات المتطرفة مرة ثانية، وأن هناك من يحاول إضعاف الدولة العراقية حتى لا تعود إلى مربع الاستقرار كدولة مؤسسة لجامعة الدول العربية.

في السياق ذاته، لا يمكن إغفال الصراع المتأجج داخل الملف الإيراني بتشابكاته مع دول الجوار، وارتباط ذلك بالحسابات الدولية التي تتسابق على المنطقة وفق أجندتها الخاصة، وفي ظل هذه التدخلات الإيرانية وجدت إسرائيل فرصتها في هذا التوقيت لتحقيق مكاسب ربما لم تكن في حساباتها الآنية مثلما شهدنا هجماتها على لبنان وسوريا والعراق.

هذه الضغوط على الإقليم تتزامن مع خطر كبير يتمثل في عودة التنظيمات الإرهابية بقوة وشراسة ربما تفوق ما كانت عليه في فترات سابقة، سيما أن هناك دولاً ودويلات في مقدمتها قطر وتركيا لا تزال تتبنى إنعاش هذه الجماعات والتنظيمات الإرهابية، وتسعى إلى إعادة إحيائها في الإقليم من جديد، الأمر الذي يتطلب من دول الإقليم ضرورة إعادة ترتيب الأوراق بما يحفظ أمنه القومي.

Email