مارامبا- تونكوليلي.. وفاق متنافس

ت + ت - الحجم الطبيعي

تعد سيراليون من أوائل دول الغرب الإفريقي التي أجرت تحقيقاً شفافاً حول التهرب التجاري، وهذا ما يشهد به تقريرموساك فونسيكاعام 2016 الذي كشف حقيقة مفادها بأنه يتم تقييم ما تنتجه المناجم السيراليونية بسعر مختلف عن بيع ذات المنتج للخارج، وهذا ما أفقد الدولة المليارات، وخير مثال على ذلك منجم كويدو السيراليوني، الذي يديره رجل الأعمال الإسرائيلي بيني شتاينميتز، فلقد تبين أن هناك تبايناً بين سعر القيراط الواحد من الألماس بقيمة الليون السيراليوني وسعر القيراط عند بيعه لشركات شتاينميتز، لذلك وضع الرئيس جوليوس مادا منذ توليه الرئاسة ملف المناجم على جدول اهتماماته وأصدر قراراً وصفته الصحافة الإفريقية بقرار استرداد موارد الدولة.

حيث بدأ الرئيس بمراجعة جميع عقود التعدين التي أبرمت مع كل الجهات داخل سيراليون وخارجها، وأدخل تغييرات قانونية لضمان استفادة البلاد من مواردها الطبيعية، وهذا الإجراءات طالت أكبر الشركات العالمية في مجال الحديد والصلب«جيرلاد»، التي تمتلك المشروع الأبرز في غرب إفريقيا «مارامبا الأزرق»، فهذا المشروع لا يهدف فقط إلى إنتاج خام الحديد عالي الجودة، بل يهدف أن يكون هذا الإنتاج مركزاً على نسبة تزيد على خمسة وستين في المئة من محتوى الحديد وهذه أعلى مستويات تركيز لخام حديد في العالم، وما ضاعف طموح جيرلاد هو تفردها بنجاح المرحلة الأولى ما ضاعف احتمال نجاح المرحلة الثانية والتي ستبدأ عام 2020 وستنتهي بنهاية 2022 لتبدأ بعدها المرحلة الثالثة والتي يتوقع بأنها ستكون مرحلة فارقة في تاريخ الاقتصاد الإفريقي، فجيرلاد تهدف إلى إنتاج مستدام يزيد على ستة ملايين طن، وهذا ما يفسر إكمالها لأعمال البناء قبل الموعد المحدد ما دفع فرانك أجيلوري ممثل مؤسسة التمويل الدولية إلى زيارة مشروع مارامبا.

تطمح جيرلاد من خلال فرعها «سيل مايينغ» إلى أمرين مهمين أولاً: الوصول إلى مليار طن من خامات الحديد لإنتاجه على مدار الثلاثين عاماً المقبلة، وذلك ما يفسر رفعها لعدد الموظفين من أقل من سبعين موظفاً عام 2018 إلى أكثر من 1800 موظف في المرحلة الثانية لتلبية الطلب المتزايد، والعمل على بناء منجم خام حديدي طويل الأمد في سيراليون وتوسيع تلك العمليات من خلال دمج المناجم والمعالجة والخدمات بالسكك الحديدية والموانئ، وثانياً: كسب الشارع السيراليوني وذلك من خلال خلق فرص عمل بدأ المواطن أكثر قناعة بأنها أحدثت فوائد مباشرة للمجتمع السيراليوني، وهذا ما دفع جيرلاد إلى إعلان نفسها بأنها مسؤولة عن تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في مقاطعة بورت لوكو الشمالية.

أما منجم تونكوليلي فهو منجم يحتفظ اليوم بأكبر رواسب لخامات الحديد في إفريقيا، ويطلق عليه خبراء التعدين أنه ثالث أكبر إيداع في العالم، فهو مملوك لشركة شاندونغ الصينية، التي لم تكن تمتلك حتى عام 2015 في تونكوليلي إلا خمسة وعشرين في المئة والباقي كان لشركة المعادن الإفريقية ولسبب سوء التوقعات الاقتصادية التي صاحبت أزمة مرض الأيبولا اضطرت على تسليم حصتها كاملة لشاندونغ، ومن هنا بدأ التنافس الدولي بين الشركات العالمية من ناحية والشركات الصينية العاملة في سيراليون من ناحية أخرى.

في ظل القرارات الأخيرة للرئاسة السيراليونية أعلنت جيرلاد أنها تواصلت مع وزير المناجم الجديد فوداي يوكي، إلا أنه لم يرد على جميع الرسائل الإلكترونية وأكدت أنها ستتعاون مع الحكومة السيراليونية، أما شاندونغ الصينية فالتزمت الصمت ما فسره البعض بأحد احتمالين إما أن هناك ثمة أزمة بين بكين وفريتاون وإما ثمة صفقة عقدت خارج إطار الدولة، ولكني أرى أن الإدارة السياسية في فريتاون تتطلع إلى تحقيق تنمية اقتصادية غالباً ما اصطدم أملها بسوء إدارة الموارد والإيرادات، لذلك أرجح أن الإدارة ستتوصل إلى تسوية مع شركات التعدين العاملة في البلاد للوصول إلى صفقة مُربحة للطرفين، فلا يمكن أن تظل استراتيجية «ربح- ربح» الشهيرة مُحقة لجميع الأطراف إلا الأطراف الوطنية خاصة أن سيراليون مؤهلة أكثر من غيرها لزيادة صادرات المعادن سبعة أضعاف بحلول عام 2020.

* باحثة إماراتية في الشأن الإفريقي

Email