الدول الكبرى والعواصف الدولية

ت + ت - الحجم الطبيعي

رغم أن اجتماعات قمة مجموعة الدول الصناعية السبع (G7) في فرنسا جاءت في إطار دورية الاجتماعات السنوية التي انطلقت في العام 1976، إلا أن انعقاد المجموعة هذا العام يأتي وسط عواصف شديدة تجتاح العالم بدءاً من الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، ومروراً بالأجواء العاصفة في منطقة الخليج، وارتفاع حدة التوتر بين أمريكا وإيران من جهة، وانتهاءً بأزمة الاتحاد الأوروبي الداخلية الناتجة عن انسحاب بريطانيا من الاتحاد وعدم التوصل إلى اتفاق حتى الآن بشأن الانسحاب رغم استقالة رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي ورئاسة بوريس جونسون للحكومة البريطانية خلفاً لها.

كل هذه الأجواء العاصفة التي تجتاح العلاقات الدولية كان مفترض أن يجعل من انعقاد القمة فرصة لتهدئة تلك العواصف، ومحاولة لحدوث نوع من أنواع المقاربة بين سياسات الرئيس الأمريكي ترامب، وبين سياسات دول الاتحاد الأوروبي التي ازدادت الهوة فيما بينهما أخيراً.

حددت فرنسا في إطار رئاستها للمجموعة خمس أولويات سوف تكون حاضرة بقوة على جدول الأعمال أهمها مكافحة عدم المساواة في المصير (النوع ـ التعليم ـ الصحة)، والعمل من أجل السلام والتهديدات الأمنية والإرهاب، وأيضاً تجديد شراكة أكثر إنصافاً مع أفريقيا.

ولأن مصر ترأس الاتحاد الأفريقي في هذه الدورة، كما أنها نجحت في تقديم نموذج ناجح للإصلاح الاقتصادي أشادت به كل المؤسسات الدولية، فقد تم دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي للمشاركة في قمة المجموعة خاصة في ظل ما حدث من تطور نوعي مهم أخيراً وتوقيع اتفاقية التجارة الحرة القارية بين دول الاتحاد الأفريقي في النيجر، بما يجعل أفريقيا أكبر منطقة تجارة حرة على مستوى العالم بما تحتويه من 1.2 مليار نسمة، والزيادة المتوقعة لعدد المستهلكين الأفارقة إلى 2.5 مليار نسمة بحلول 2050.

الشراكة الأكثر إنصافاً مع أفريقيا تقتضي أن تأخذ أفريقيا نصيبها العادل من الاقتصاد العالمي، وأن يتم معاملتها بمنطق «الندية» لا «التبعية» التي كانت الدول الكبرى تنتهجه لفترة طويلة مع القارة السمراء امتدت لعقود عدة.

فرنسا من الدول الكبرى المهتمة بالشأن الأفريقي، ولها وجود قوي سياسياً واقتصادياً وربما عسكرياً أيضاً في بعض بلدان القارة كما حدث في مالي وتشاد، وبالتالي فهي تريد دعم وتطوير الاتحاد الأفريقي من أجل تعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء على اعتبار أن هذه المنطقة تمثل الالتزام الأكبر لفرنسا في سياستها تجاه أفريقيا.

ولأن مصر وفرنسا يرتبطان بعلاقات سياسية واقتصادية عميقة، وهناك حالة من الانسجام والتفاهم ما بين الرئيسين عبد الفتاح السيسي وماكرون في العديد من القضايا فإن فرنسا تدعم رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي من أجل استكمال مسيرة إصلاح المؤسسات الأفريقية، وتعميق الاستقرار في شرق أفريقيا، خاصة في ظل الأوضاع الانتقالية الحساسة في السودان وإثيوبيا بالإضافة إلى الوضع المعقد في ليبيا، وضرورة دعم الجيش الوطني الليبي من أجل استكمال مراحل تحرير الأراضي الليبية خاصة العاصمة طرابلس وإنقاذها من الميليشيات وجماعات العنف المدعومين من قوى إقليمية بعينها خاصة تركيا وقطر.

وفي الوقت الذي يتشدد فيه الرئيس الأمريكي ترامب مع الصين، فإنه في المقابل يبدي انزعاجاً شديداً من استمرار استبعاد روسيا من اجتماعات المجموعة وتجميد عضويتها على خلفية أزمة أوكرانيا وشبه جزيرة القرم في العام 2014، وأعلن في تصريحات صادرة عنه تأييده لعودة روسيا إلى مجموعة السبع الكبرى.

أيضاً هناك أزمة «البريكست» وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وجاءت أول مشاركة لرئيس الوزراء البريطاني الجديد بوريس جونسون في تلك الاجتماعات بعد استقالة رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي على خلفية أزمة «بريكست» وعدم نجاحها في إنجاز هذا الملف، في الوقت الذي يصر فيه جونسون على إنجاز الخروج الكامل في نهاية أكتوبر المقبل، حتى لو جرى الأمر من دون اتفاق ، مما قد يؤدي إلى فوضى وأضرار تلحق بالجانبين الأوروبي والبريطاني.

* رئيس مجلس إدارة الأهرام

Email