على من يطلق الرصاص؟!

ت + ت - الحجم الطبيعي

خرجت إلى مطار جورج بوش (الأب) الدولي في مدينة هيوستون بولاية تكساس الأمريكية وكان في استقبالي الصديق الذي بدا مرتجفاً على غير العادة، وبدلاً من تبادل التهاني بمناسبة عيد الأضحى المبارك إذا به يحكي كيف جرى تبادل لإطلاق النيران في وسط المدينة.

ما حدث هو احتكاك بين سيارتين على جانب الطريق فإذا بشابين يخرجان من إحداهما ويتجهان نحو سائق السيارة الأخرى ويطلقان عليه رصاص مسدسيهما. شخص آخر شاهد الواقعة فأخرج سلاحاً سريع الطلقات وأردى كليهما صرعى في التو واللحظة. حصيلة القتلى ثلاثة لم يعرف أي منهم الآخر، ولم يكونوا على موعد إلا مع الموت.

وفي الطريق من المطار إلى الفندق استعدنا سوياً الأحداث التي جرت قبل أيام في مدينة «الباسو» - تكساس أيضاً - و«دايتون» - أوهايو، وكانت هناك وقائع قتل أخرى جرت في كاليفورنيا وإلينوي.

ولم يكن يجمع كل الوقائع إلا أن إطلاق الرصاص جرى عشوائياً، لم يكن هناك ثأر ما، ولا عداوة من نوع خاص. تذكرت أنني شاهدت لأول مرة في مطار أمريكي ثلاثة من الشرطة المسلحين برشاشات بدلاً من المسدس المعتاد، ويرتدون قمصاناً واقية من الرصاص.

وحينما أبديت الملاحظة قال الصديق إن ذلك أصبح مشهداً معتاداً في كل مناطق الازدحام من المطارات إلى المدارس والجامعات ومجمعات التسوق وحتى ميادين الشباب المزدحمة في أيام العطلة. كنت قد غادرت القاهرة ولم تكن النار قد بردت بعد حادث معهد الأورام في قلب المدينة والتي سقط فيها قتلى وجرحى نتيجة انفجار سيارة كان يقودها إرهابي ضل طريقه إلى المنطقة، ولكن المؤكد أنه كان في طريقه إلى عملية إرهابية.

ما حدث في القاهرة مفهوم لأنه جرى في إطار العمليات الإرهابية التي تقوم بها جماعة الإخوان وأنصارها وتابعوها، ولا تكف منافذ الجماعة الإعلامية في قطر وإسطنبول ولندن عن التحريض بشأنها. ولكن لماذا وصل حال إطلاق الرصاص في أمريكا إلى هذا الحد الشائع. الإجابة الأولى على السؤال تركز على الثقافة، وأن العنف أصيل في التقاليد الأمريكية.

والتي كانت تغذيها في الماضي أفلام «الويسترن»، أما في الحاضر فتغذيها بشدة الألعاب الإلكترونية وأفلام «الحركة». الإجابة الثانية تلقي اللوم على تجارة السلاح التي تستفيد من العنف والعنف المضاد بقدر ما استفادت في السابق من الدستور الأمريكي الذي نص على حق الأمريكيين في حمل السلاح. الفكرة كانت أن يكون الأمريكيون قادرين على مقاومة الطغيان وليس قتل بعضهم البعض .

كما حدث بطول البلاد وعرضها. الإجابة الثالثة أن السبب الرئيسي هو الرئيس دونالد ترامب الذي بث الكراهية للملونين عامة وأصحاب الأصول اللاتينية الإسبانية، متهماً إياهم بأنهم قتلة وتجار مخدرات ومغتصبو نساء.

الإجابة الرابعة أن أمريكا لم تكن تحتاج ترامب حتى تكون عنصرية لأن هذه الصفة أصيلة، وربما زاد منها أن الدولة الأمريكية لم تتحمل وجود أول رئيس أسود في البيت الأبيض واسمه باراك حسين أوباما فكان انتخاب ترامب هو رد الفعل وما بعده من أحداث محض تفاصيل.

الإجابة الخامسة هي أن العالم كله انقلب رأساً على عقب، ومن يصدق أن شعب هونغ كونغ انقلب على قياداته والصين أيضاً، وبعد أن كانت ثورته لمنع قانون يسمح للسلطات بنقل متهمين من المدينة إلى الداخل الصيني للمحاكمة، فإن إلغاء القانون لم يكن كافياً ودخلت المظاهرات مرحلة العنف. أحداث مشابهة جرت في موسكو، أما في لندن فإن أحداً لا يعرف كيف سينتهي التوتر بين أنصار الخروج وأنصار البقاء في الاتحاد الأوروبي.

هناك شيء ما غلط في العالم، له علاقة بالهوية والتعصب والكراهية، والثورة على النظام العام وكفى. بالطبع فإن الحديث هذا في هيوستون لم يشمل الشرق الأوسط وما يجري في اليمن وليبيا وسوريا والعراق، فقد كان فهم ذلك صعباً للغاية.

* كاتب ومحلل سياسي

 

Email