الخطر الذي يتهدد أمريكا

ت + ت - الحجم الطبيعي

وقائع جريمتي القتل الجماعي اللتين راح ضحيتهما العشرات، أعادت للصدارة الجدل حول التهديد الذي يمثله اليمين المتطرف في الولايات المتحدة، أو ما صار يعرف أخيراً بـ «اليمين البديل».

فخلال أقل من أربع وعشرين ساعة، كانت مدينة ألباسو بولاية تكساس ثم مدينة ديتون بولاية أوهايو تشهدان قيام شاب أبيض، في الواقعتين، بفتح النار عشوائياً ليسقط العشرات من القتلى والجرحى.

وفي الواقعة الأولى، على الأقل، أكدت التحقيقات أن مرتكب الجريمة يعتنق أفكار تفوق البيض وكراهية غيرهم، وبالذات من المهاجرين. فمدينة ألباسو مدينة تقع على الحدود مع المكسيك وأغلبية سكانها من الأمريكيين من أصول لاتينية ويرتادها يومياً الآلاف من المكسيكيين.

واليمين المتطرف يشكل تهديداً حقيقياً، بشهادة الأجهزة الأمريكية المعنية. ففي أواخر عهد بوش الابن، وفي عام 2007 تحديداً، طلب البيت الأبيض من وزارة الأمن الداخلي دراسة الموضوع. لكن الوزارة لم تنته من الدراسة إلا في عهد أوباما. وقتها قامت (الوزارة) بتوزيع نتائج تقريرها على أجهزة الأمن على المستويات المختلفة، الفيدرالية وفي الولايات.

وحذر التقرير من خطر اليمين المتطرف وتزايد أعداد المنتمين لجماعاته، فذكر بعضها بالاسم وشرح جوانب من أفكارها بدءاً بمعادة الهجرة والمهاجرين ومروراً بالعنصرية وأفكار التفوق الأبيض ووصولاً لاستخدام أغلب تلك الجماعات للعنف وحرصها على اقتناء السلاح بكميات مذهلة لتحقيق أهدافها. لكن لأن التقرير صدر في عهد أوباما، الديمقراطي.

فقد تعرض لانتقادات شرسة من جانب الجمهوريين الذي اتهموا الإدارة بأنها تهاجم «التيار المحافظ»، رغم أن التقرير لم يذكر أصلاً سوى اليمين المتطرف. والحقيقة أن التقرير كان قد وصل لنتائج مماثلة لحد كبير لتقرير آخر كانت قد أصدرته هيئة التحقيقات الفيدرالية في عهد بوش الابن أيضاً.

لكن الاستقطاب السياسي الذي أدى لتسييس تقرير وزارة الأمن الداخلي كان معناه ألا يتخذ الكونغرس قرارات بموجبه، خصوصاً فيما يتعلق بتوفير الموارد اللازمة لأجهزة الأمن الأمريكية لمواجهة الخطر. وقد ازداد الاستقطاب بوصول ترامب للحكم فتم تخفيض الموارد، المحدودة أصلاً، التي كانت مخصصة لمواجهة ذلك التهديد وتحويل الجزء الأكبر منها لمواجهة الإرهاب «القادم من وراء الحدود الأمريكية».

واليمين الأمريكي المتطرف عبارة عن شبكة واسعة للغاية من الجماعات والتنظيمات التي تتباين في نشأتها وهدفها، من الميليشيات المسلحة، لجماعات «القومية البيضاء» لجماعات أخرى تأخذ طابعاً دينياً. غير أن هناك قواسم مشتركة تجمع بينها، لعل أهمها الإيمان بوجود مؤامرة سواء كانت ضد الأمريكيين عموماً أو ضد البيض تحديداً.

وحركة الميليشيات المسلحة مثلاً من أقدم الحركات في التاريخ الأمريكي لكن لعل التحول الأهم الذي طرأ عليها كان في التسعينيات، وتمثل في اتباع استراتيجية جديدة أطلقوا عليها اسم «المقاومة من دون قيادة»، أي تشجيع معتنقي أفكارها بالعمل بمفردهم ودون حاجة لقيادة توجههم. «والمقاومة» مقصود بها في أدبياتهم، إما مقاومة السلطة الفيدرالية عبر مراكمة السلاح بل والأغذية تحسباً للمعركة.

وإما مقاومة غير البيض، من الأمريكيين أو المهاجرين، الذين صاروا «يهددون» عندهم «العرق الأبيض» الذي يحتاج «لطليعة» منه للدفاع عن حقوقه ومقدراته. أما جماعات القومية البيضاء، فهي تنويعة أخرى اسماً لجماعات التفوق الأبيض وتعني الشيء نفسه.

وقوى اليمين المتطرف عموماً ظلت حتى سنوات قريبة تعادي الجمهوريين بشدة وتعتبرهم قد «باعوا» العرق الأبيض مثلهم مثل الليبراليين. لذلك فقد أطلق أحد قياداتهم على منظماتهم تعبير «اليمين البديل»، بالمقارنة باليمين التقليدي، الذي هو التيار المحافظ والجمهوريين. وهو التعبير الذي اكتسب شهرة كبيرة حين استخدمه ستيف بانون، المستشار السابق لترامب، حين كان قائماً على موقع بريتبارت اليميني المعروف.

ولأن هذا التيار وقف بقوة وراء ترامب وأسهم في انتخابه في عام 2016، فإن السؤال الأهم عقب جريمتي ألباسو وديتون هو ما إذا كانت إدارته والجمهوريون بالكونغرس على استعداد لاتخاذ قرارات جريئة في مواجهة ذلك التيار.

* كاتبة مصرية

 

Email