شرق آسيا.. معادلات جديدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

لأول مرة في التاريخ تقوم «قاذفات صينية وروسية» بدوريات مشتركة بعيدة المدى، حيث قام الجيش الروسي والصيني في 23 من الشهر الجاري، بأول طلعات مشتركة بطائرات بعيدة المدى في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وطارت القاذفات الصينية والروسية 11 ساعة قطعت خلالها 9 آلاف كيلومتر، وهو ما يؤكد أن حقائق جديدة على الأرض بدأت تتشكل لبناء تحالف صيني روسي في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، فالصين التي حاربت روسيا عام 1969 تتقارب معها بطريقة غير مسبوقة في ظل ما تراه بكين أنها ضغوط أمريكية تؤثر على وحدتها ومكانتها الجيوسياسية، فإلى أي مدى يمكن أن يتطور هذا التعاون الاستراتيجي بين بكين وموسكو؟ وماذا يعني «الكتاب الأبيض» الصيني للتقارب مع موسكو في المستقبل؟

شبه الجزيرة الكورية

هناك اتفاق على أن استراتيجية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للأمن القومي التي أعلنها في عام 2018 والتي وصف فيها كلاً من روسيا والصين بأنهما «المنافستان» للولايات المتحدة على الساحة الدولية هي التي دفعت موسكو وبكين للتغاضي عن خلافاتهما الحدودية وشكاوى روسيا بسيطرة الصينيين «تجارياً» على شرق روسيا، وبدء مرحلة من التقارب الاستراتيجي وتنسيق عملياتهما العسكرية والرقابية في المحيط الهادئ وشرق آسيا، والهدف غير المعلن لهذا التقارب في المدى المتوسط وفق الرؤية الأمريكية هو«إخراج الولايات المتحدة» من شبه الجزيرة الكورية، وفي الوقت الذي تنفي فيه موسكو وبكين أن يكون الأمر وصل لمرحلة التحالف فإن صحفاً روسية كثيرة اعتبرت ما يجري بين روسيا والصين على الأرض يفوق التعاون بين الحلفاء، فما هي مصالح الطرفين الروسي والصيني في هذا التحالف؟

درء المخاطر

ربما يكون «درء المخاطر» وليس تحقيق المصالح هو ما يوحد الأهداف الصينية الروسية على الأقل في شرق آسيا والمحيط الهادئ، فالصين تشعر أن الولايات المتحدة تعمل وفق رؤية ومنهجية متكاملة لإضعافها، خاصة أن الرئيس ترامب باع أسلحة لتايوان تزيد على 2.3 مليار دولار، وتصر السفن العسكرية الأمريكية على المرور في بحر الصين الشرقي الذي يفصل الصين عن تايوان، ويتزايد القلق الصيني من «عسكرة» بحر الصين الجنوبي والذي أدى إلى تراجع النمو الصيني عام 2018 إلى 6.9% لأول مرة منذ 30 عاماً، وتنظر بكين بعين الريبة للمظاهرات في هونغ كونغ، ولا تستبعد دوراً أمريكياً في كل ذلك، ناهيك عن الحروب التجارية مع الرئيس ترامب.

الكتاب الأبيض

لذلك دائماً ما تشير الصين إلى عدم التزام الولايات المتحدة عملياً «بسياسة» الصين واحدة «التي تعتبر تايوان وهونغ كونغ» أراضي صينية، وربما هذا ما أشار إليه «الكتاب الأبيض» الصيني حول الدفاع الذي نشرته بكين في الأيام القليلة الماضية، وهو أول تقييم «جيواستراتيجي» صيني منذ 6 سنوات، واللافت هو تأكيد الكتاب الأبيض الصيني على حتمية التعاون «العسكري الكامل» بين بكين وموسكو، وأن الصين سوف تستخدم «القوة المسلحة» للحفاظ على كل شبر من الأراضي الصينية، وحذر ممن يحاولون إقناع تايوان بالانفصال، ودعم الانفصاليين في التبت وتركستان الشرقية «شينكيانغ» وهذه إشارة واضحة للولايات المتحدة الأمريكية التي تطالب الصين بتحسين حالة حقوق الإنسان في التبت ومناطق الويغور في تركستان الشرقية.

الأمر نفسه في روسيا التي ترى أنها مستهدفة من الاستراتيجية الأمريكية الجديدة من خلال نشر منظومة الصواريخ الأمريكية «ثاد» في كوريا الجنوبية، وتقييم موسكو أن عمل هذه المنظومة يتجاوز أراضي كوريا الجنوبية ليكشف جزءاً من أراضي شرق روسيا للولايات المتحدة، وما زاد من القلق الروسي هو موافقة مجلس النواب الأمريكي على مشروع قانون ينص على جمع البيانات حول كيفية دعم روسيا لكوريا الشمالية، والحقيقة أن واشنطن تنظر لإحياء العلاقات بين موسكو وبيونغ يانغ بأنه تهديد لـ28 ألف جندي أمريكي في كوريا الجنوبية، وأكثر من 36 ألف جندي أمريكي آخرين في اليابان، وهناك معلومات نشرتها الصحافة الأمريكية منذ أيام قالت إن روسيا ساعدت كوريا الشمالية في تطوير نظام صاروخي يتخطى منظومتي «ثاد» و«باتريوت» الأمريكية، وهو ما يشكل بداية في «تغيير معادلات القوة» في شرق آسيا والمحيط الهادئ التي ظلت طوال عقود لصالح الولايات المتحدة.

Email