السيناريو الأسوأ

ت + ت - الحجم الطبيعي

قال رئيس الوزراء البريطاني الجديد بوريس جونسون في خطابه لأمته: ليس هناك بوادر اتفاق مع الأوروبيين حتى الآن بشأن خروج المملكة المتحدة من أوروبا.

وكان يحاول بتلك العبارة تهيئة الشعب البريطاني لمآلات الأمور أو «السيناريو الأسوأ» الذي يمكن أن يحدث لبلادهم التي انقسم فيها الناس بين مؤيد للخروج من الاتحاد الأوروبي ورافض. وقد استقالت إثر ذلك رئيسة الوزراء تيريزا ماي بعد أن وصلت مفاوضاتها العسيرة مع الأوروبيين إلى طريق مسدود.

بوريس كان ذكياً، لأن التفاؤل في هذا الموضع لا يفيد، ذلك أن طاولة المفاوضات قد تنقلب عليه وتتحول تصريحات التفاؤل إلى وبال عليه. غير أنه إن نجح في جر الأوروبيين إلى وضع اتفاق خروج مرضٍ وسلس لبريطانيا فهو عندئذ سوف يحقق مفاجأة تدهش الجميع بعد تصريحات السيناريو الأسوأ.

مشكلة مؤسسات وأفراد أنهم لا يضعون نصب أعينهم السيناريو الأسوأ، وهذا ليس له علاقة بالتشاؤم، بل هو صميم التخطيط السليم. والواقع أن كثيرين يضعون في ذهنهم أسوأ ما يمكن أن يقع، لكنه بحد ذاته لا يكفي، بل الأهم تحديد خطوات الخطة البديلة، وتحديد المكلفين بها من داخل وخارج المؤسسة. وعادة ما يكون الشق المادي هو المعضلة الأساسية في هذه الخطط البديلة التي تواجه السيناريو الأسوأ.

ولذلك فإننا عادة في مجالس الإدارات نضع مع الإدارة العليا بدائل أو روافد مالية لتعويض نقص السيولة أو عدم تحقيق الأرباح المأمولة؛ وذلك بالتخارج من أصول سهلة البيع (خطة بديلة) بعد تعثر مفاوضات اندماج، أو بيع، أو شراء أو فقدان صفقة مهمة (السيناريو الأفضل).

كل مشروع من حولنا يجب أن يصاحبه خطط بديلة نتصدى بها للأسوأ. وعدم وضع خطة محكمة، مثل إخلاء المكان عند اندلاع حريق قد يدفع ثمنها أرواح أبرياء. وعدم التدرب على السيناريو الأسوأ قد يورطنا جميعا بأزمة.

ولهذا السبب نقرأ دوما عن إخلاءات وهمية لمرافق عامة لقياس مدى جاهزية القائمين عليها.

وليس هناك ناطحة سحاب ولا بناية سكنية ولا حتى خيمة تنصب في قلب الصحراء إلا ويكون هناك سيناريو أسوأ يترتب عليه اللجوء إلى الخطة البديلة أو «خطة ب أو B» كما اشتهرت تسميتها في عالم البزنس.

ويا لها من خيبة أمل عندما يحدث السيناريو الأسوأ عائليا. أذكر أنني سمعت أبا عربيا يشتم ابنه بأقذع الألفاظ وذلك قرب الحرم النبوي، وقبيل أذان المغرب في شهر رمضان. ثم دعا ربه، وهو يحدث زوجته، على ما يبدو، أن يخلصه من هذا الابن العاق «اللي سود وجهنا». لا شك أن هذا هو أسوأ ما يمكن أن يحدث عائليا.

وقال بالحرف الواحد «دي غلطتي أنا اللي انشغلت عن ابني طول حياتي وآدي هي النتيجة». المشكلة أن الرجل كان عليه كل مظاهر التدين التي لا يبدو أنها انصبت في تربية ابنه كما يجب، حسب قوله. ولذا فإن أبسط أبجديات الاستعداد للسيناريو العائلي الأسوأ ألا ينشغل الوالدان عن فلذات أكبادهما، فهم ما أن ينخرطوا في ميادين العمل والمجتمع حتى تتفاقم المشكلة ليرتكبوا مشاكل أخلاقية عدة مع مرؤوسيهم وأصدقائهم وأقربائهم. ولذا يقول أهل الخليج «إذا فات الفوت ما ينفع الصوت».

غير أن هذا المثل يمكن تقليل آثاره برسم السيناريوهات وحسن الاستعداد لها. وفي بعض الأحيان تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.

Email