العرب وأفريقيا.. شراكة الخير والسلام

ت + ت - الحجم الطبيعي

وسط الأحداث الخطيرة التي تمر بها المنطقة. ربما لم يلتفت كثيرون لحدث مهم تم في قلب أفريقيا، لكنه ليس بعيداً عن عالمنا العربي، ولا ينبغي مطلقاً أن يكون كذلك.

قبل أسبوع وفي عاصمة دولة النيجر، أطلق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (بوصفه رئيس الدورة الحالية للاتحاد الأفريقي) وبحضور رؤساء أفريقيا اتفاقية التجارة الحرة بين دول أفريقيا بعد طول انتظار.

الاتفاقية يبدأ تنفيذها من العام المقبل، تفعيل الاتفاقية يعني إنشاء أحد أكبر مناطق التجارة الحرة في العالم، حيث يعيش 1.3 مليار نسمة مع ناتج محلي يزيد على 3.4 تريليونات دولار، مع إمكانية هائلة للتنمية، وثروات طبيعية من البترول والمعادن الثمينة والأراضي الزراعية، آن الأوان لكي تستغل لصالح أبناء القارة بعد عهود طويلة من النهب المنظم في ظل الاستعمار ثم تحت وطأة تحالف الاستغلال البشع مع الفساد.

الإعلان عن اتفاقية التجارة الحرة الآن هو مجرد بداية لطريق صعب يحتاج لجهود هائلة لرفع معدل التجارة بين دول القارة السمراء والذي لا يتعدى الآن 15% ولإنشاء البنية التحتية اللازمة لمخططات التنمية، ولخلق البنية المناسبة للاستثمار، ولربط دول القارة بشبكة مواصلات برية ونهرية، ولفتح كل الأبواب من أجل تحقيق التكامل الاقتصادي ورفع معدلات النمو وتحقيق تطلعات شعوب أفريقيا في التقدم.

ولا شك أن الطريق صعب. خاصة في ظل صراع القوى الكبرى على النفوذ داخل القارة وعلى الاستحواذ على أكبر قدر من ثروات القارة السمراء. ولم يكن عرب أفريقيا بعيدين عن ذلك والمثل الصارخ نراه بعيوننا في ليبيا الشقيقة، حيث الصراع على ثرواتها يدمر الدولة ولا يكترث بالويلات التي يقاسيها شعبها، الصراع نفسه الذي فصل من قبل جنوب السودان عن شماله، والذي حوّل الصومال إلى ساحة لعصابات الإرهاب، واستنزف قوى دول عدة في صراعات فرضت عليها.

الطريق صعب أمام دول أفريقيا، والصراع على الثروات ومناطق النفوذ لا يقتصر على الدول الكبرى في العالم، وإنما تدخله أيضاً قوى إقليمية مثل تركيا التي تتحالف مع الإخوان وجماعات الإرهاب وحكام قطر لتخوض الحرب ضد شعب ليبيا، ولتتآمر على مصر والسودان، ومثل إيران التي لا تتوقف عن محاولات مد النفوذ ونشر الفتن وإيجاد موقع قدم على أرض أفريقيا، بالإضافة إلى الجهود التي لم تتوقف من جانب إسرائيل منذ نشأتها وخاصة في دول حوض النيل!!

وربما أيضاً نوثق التعاون مع دول أفريقيا لاستعادة الدولة في ليبيا، ولإنهاء حكم الميليشيات الإخوانية ومنعها من أن تحول – بمشاركة تركيا وقطر – أرض ليبيا إلى مركز جديد للدواعش والقاعدة، ولتمكين الجيش الوطني الليبي من استكمال مهمته وتطهير العاصمة طرابلس من العصابات التي تحكمها.

مصر التي كانت مركز حركات التحرر والاستقلال في أفريقيا بعد ثورة يوليو وفي ظل زعامة عبد الناصر، أضاعت الكثير من هذا الرصيد بعد ذلك بسياسات أهملت البعد الأفريقي حتى استفاقت على مخاطر وأزمات كان أبرزها مع سد النهضة.. لتبدأ في تصحيح السياسات والعودة للطريق الصحيح الذي عاد ليثمر علاقات طيبة وآفاقاً للتعاون المشترك.

واستغرق الأمر طويلاً ليكون لنا سياسات تنطلق من حقيقة نعرفها جيداً عن ارتباط أمن الخليج والبحر الأحمر بالأوضاع في شرق أفريقيا، ولكي ندرك خطورة الجرائم التي ترتكبها جماعات الإرهاب الإخواني المدعوم من قطر وتركيا من ناحية.. وإرهاب العصابات المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني من ناحية أخرى، على الأمن العربي والأفريقي في وقت واحد.

الآن.. لا ينبغي أن نتأخر عن مواكبة الخطوة المهمة التي تبدأها دول أفريقيا بتوقيع اتفاقية التجارة الحرة بينها. صحيح أن الطريق طويل وأن العقبات كثيرة وأن البدايات صعبة، وصحيح أن لدينا من المشكلات والهموم الكثير، لكن هذا كله لا ينبغي أن يعطلنا عن امتلاك رؤية للتعاون المشترك مع القارة السمراء، حيث يعيش غالبية العرب يرتبط مصيرهم بأفريقيا وبباقي الوطن العربي معاً، وحيث المخاطر واحدة والهموم مشتركة والمستقبل سيكون أفضل بلا شك حين يكون إسهامنا في صنع المستقبل بأفريقيا هو الأكبر، وهو الأنفع لأنه لا يحمل إلا الخير والسلام ولا يسعى إلا لما فيه مصلحة الشعوب وأمن الدول واستقرارها.

Email