تبسيط التكنولوجيا لفئات لا تتقنها

ت + ت - الحجم الطبيعي

إن التقدم الرهيب الذي نحياه الآن، والتسارع التكنولوجي الذي نلهث جميعنا وراءه كما يلهث الصياد وراء طريدته، جعل منا آلات تمشي على الأرض، رؤوسنا للأسفل بعد أن كانت للأعلى، الكل مشغول بجهازه، هذه الأجهزة التي تزاحمنا في بيوتنا، مع أهلينا وأطفالنا. إن هذا الانفجار التكنولوجي جعل الحياة سهلة في إنجاز المعاملات والطلبات، وجعل التواصل أسرع من ذي قبل بفضل برامج التواصل وغيرها، لكنه هو نفسه بات المؤثر الأول على العلاقات فيما بيننا، إذ نتج عن تسارعه وتطوره، فجوات متعاظمة بيننا وبين من هم أكبر منا سناً ممن لا يفقهون كثيراً التكنولوجيا التي نستخدمها.

إن التكنولوجيا على عظم فائدتها تتسبب بالعديد من المشاكل وعلى رأسها مشاكل تتعلق بالفئة التي لا تتقن التكنولوجيا، فلدينا كبار السن، وبعض الفئات الخاصة الأخرى.. هذه الفئات أٌهملت عند تصميم التقنيات والبرامج، إذ نجد أن أغلب البرامج موجهة إلى فئة الشباب سريعي التعلم مقارنة مع غيرهم، فالشباب قادرون على سرعة الولوج إلى أي خدمة يريدون الحصول عليها ليلاً أو نهاراً عبر الأجهزة الشخصية، وقادرون على الشراء من أي موقع للبيع على الشبكة عبر البرامج الذكية، وقادرون كذلك على التكيف مع أي تحديث أو تغيير، لكن الحال ليست كذلك مع الفئات الأكبر سناً ممن تجاوزوا الخمسين والستين من العمر. إن فئة كبيرة من هؤلاء لا يحسنون استخدام الأجهزة الذكية، وإن أحسنوا استخدامها، فإن استخدامهم للبرامج الذكية المحملة على سطح الجهاز محدود للغاية، هي برامج تبدو بسيطة لكن قد يستخدمها أو لا يستطيع أن يستخدمها الكبير بالعمر.

لذا وجب الالتفات إلى هذه الفئة بشكل أكبر على مستوى المؤسسات والشركات، ووجب تطوير برامج سهلة تساعد هؤلاء على التواصل مع ذويهم وأبنائهم، في أي وقت وحين، وبمتطلبات ولوج سهلة مقارنة مع البرامج المنتشرة الآن، كما أن على الحكومات دوراً كبيراً مطلوباً منها تجاه مثل هذه الفئات، فتوفير خدمات سهلة لهذه الفئة سيحد من تشتت فئة كبار السن بين المراكز الحكومية ومكاتب الطباعة ومراكز البريد وغيرها.

إن الاهتمام بهذه الفئات أمر مهم يقع في البداية على أفراد الأسرة، فما المانع بأن يقوم أحدنا بتنزيل لعبة من الألعاب في جهاز والده أو والدته، وتعليمه هذه اللعبة من أجل أن يتسلى ويستمتع في وقت فراغه، وأذكر جيداً كيف تحمست والدتي التي لا تقرأ ولا تكتب عندما أعطيتها جهازي وفيه لعبة قد حملتها سابقاً لأطفال العائلة، لقد كانت مستمتعة للغاية ما شجعني على إهدائها جهازاً لوحياً ذكياً بعد ذلك، مثل هذا التصرف يساعد في تهيئة جيدة لكبار السن، ومن ثم نجرب في برامج أكثر تعقيداً.

المسؤولية الثانية تقع على الشركات التي تصمم البرامج، حيث يجب الالتفات لهذه الفئة حتى وإن كان استخدامها قليلاً للأجهزة اللوحية، عن طريق طرح برامج تتناسب معهم وتسهل عملية تواصل الكبار مع المحيطين بهم، حيث نجد اهتماماً كبيراً من الشركات بتطوير ألعاب للأطفال وبرامج لمختلف فئات العمر لكن قلما نجد برامج للكبار بالسن في مواقع تحميل التطبيقات.

إن التطور المخيف من حولنا خلق أمية من نوع جديد، أمية في استخدام مواقع التواصل، أمية في التعامل مع البرمجيات الجديدة، أمية في الكثير من الأمور لحد عدم فهم الكثير من المصطلحات الجديدة الخاصة بلغة التكنولوجيا، والتي تصعب أحياناً على الشباب المطلعين، لذا وجب الالتفات إلى الفئات الأخرى للمساهمة في ردم أي هوة قد تحدثها التكنولوجيا، وما أكثرها.

* كاتبة إماراتية

Email