«السوريين منورين مصر»

ت + ت - الحجم الطبيعي

عديدة تلك المؤشرات التي يمكن بها قياس قوة الدولة، مثل مواردها الاقتصادية ومصادر الثروة، وثقلها الديموغرافي، ومساحتها التي تشغلها في جغرافية العالم، والتطوير التقني والعلمي وحجم الإنفاق على البحوث العلمية، وذلك فضلاً عن قوتها العسكرية التي تحمي حدود الدولة وتواجه المخاطر الأمنية الحالية والمستقبلية؛ ومع ذلك فإن قوة أية دولة وتحضرها ومدنيتها لا تقتصر فحسب على هذه المعايير والمؤشرات، بل يمكن أن نضيف إليها قدرة الدولة والمجتمع على بلورة معايير أخلاقية وإنسانية إزاء الفئات المهمشة والضعيفة إن في الداخل أو الخارج، مثل الموقف من المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء وضحايا الحروب والإرهاب والكوارث التي تحل ببلدانهم وأوطانهم.

في هذا الإطار تندرج السياسة والمواقف المصرية إزاء قضية اللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين، حيث تتميز الرؤية المصرية إزاء هذه القضية بالتحضر والنزعة الإنسانية والأخلاقية والإيمان بالإنسانية المشتركة، وهو جانب مضيء ولا شك في السياسة المصرية الراهنة إزاء قضية اللاجئين سواء من الدول العربية وغيرها من الدول.

وضحت هذه الرؤية في التصريحات التي أدلى بها الرئيس عبد الفتاح السيسي في أكثر من مناسبة، عندما سئل حول هذا الموضوع، فأجاب ببساطة أن مصر ترفض إقامة معسكرات للاجئين، بل تتيح لهم حرية الحركة والتنقل، وتقدم لهم الدولة المصرية كافة الخدمات التي تقدمها للمواطنين المصريين من تعليم ورعاية صحية وتنقل وفق ظروف مصر؛ كما أن الحملات الصحية «حملة مائة مليون صحة» للكشف عن الأمراض غير السارية وفيروس الكبد، شملت هؤلاء اللاجئين والمهاجرين، كما أن وزارة الخارجية المصرية لم تتوانَ عن التحفظ إزاء مطالبة الاتحاد الأوروبي بإقامة معسكرات إيواء للاجئين في مصر.

التذكير بذلك مهم، خاصة بعد تلك الحملة التي استهدفت بالذات اللاجئين السوريين في مصر، والذين يقدر عددهم بعدة مئات الألوف مقارنة بعدد اللاجئين التقريبي في مصر، والذي يبلغ خمسة ملايين لاجئ؛ تلك الحملة التي اتهمت اللاجئين السوريين بالانتماء إلى جماعة الإخوان، وأن هؤلاء اللاجئين يحصلون على تمويل من الجماعة، وهو اتهام مرسل ويطعن بشكل مباشر في كفاءة الأجهزة الأمنية المصرية، التي تتولى فحص ملفات هؤلاء اللاجئين ومصادر حصولهم على التمويل اللازم لمشروعاتهم الصغيرة، كما أن هذا الاتهام يتأسس على افتراض غير دقيق وغير منطقي؛ ألا وهو أن اللاجئين السوريين يشكلون كتلة متجانسة لها ذات التوجهات وذات الانتماءات السياسية والدينية والمذهبية، حيث إن أية جماعة بشرية ليس فحسب جماعة اللاجئين تخضع لقانون التنوع والتباين والاختلاف من حيث الميول والثقافة والانتماء السياسي.

ولا شك أن اللاجئين السوريين المقيمين في مصر ليسوا غرباء على المصريين، فالروابط بينهم وبين المصريين لا تنفصم عراها؛ لأنها روابط تاريخية وثقافية وحضارية منذ القدم، ولا يزالون في الوعي المصري العام يمثلون مواطني الإقليم الشمالي من الجمهورية العربية المتحدة التي جمعت بين مصر وسوريا، وقد فهم المصريون ذلك بحكمتهم دون لبس عندما قاموا على طريقتهم بالرد على من أثاروا هذه الحملة في الهاشتاج المعنون «السوريون منورين مصر».

ترتكز الرؤية المصرية إزاء قضية اللاجئين في استلهام هذه الرؤية للثقافة المصرية السمحة والمتسامحة، بمكوناتها المختلفة الدينية والتقليدية والحديثة، فمصر استضافت العديد من الفئات التي واجهت المحن مثل «الأرمن» وعاشت في مصر وتمصروا وتشربوا ثقافتها وقيمها، كما أنها ـ أي مصر ـ كانت ملجأ للعديد من القادة والسياسيين من المشرق والمغرب المدافعين عن حرية أوطانهم واستقلالها، بل كانت مصر لسان حال هذه القيادات في دفاعها عن استقلال أوطانهم، ومنبراً لمخاطبة شعوبهم، وهذه الثقافة التي تستلهمها الرؤية المصرية من الصعب تجاهلها أو القفز فوقها لأن ذلك ينتقص من قدر مصر وقيمتها وحضارتها وثقافتها.

وأخيراً وليس آخراً، فإن رؤية مصر إزاء قضية اللاجئين ترتكز على أفق حل هذه القضية ووقف تدفق اللاجئين إلى مصر وغيرها من الدول الأوروبية من خلال القضاء على الإرهاب ووقف الحروب الأهلية، ودعم واستعادة الدولة الوطنية وإعادة بناء الجيوش الوطنية، وتبني السياسة التنموية التي تكفل الاستقرار وحقوق المواطنة ووأد الفتنة المذهبية والدينية.

 

ـــ كاتب ومحلل سياسي

Email