الهجمات السيبرانية والحد من الخطر الإيراني

ت + ت - الحجم الطبيعي

في خضم تزايد احتمالات نشوب صراع عسكري تقليدي بين الولايات المتحدة وإيران، قفزت إلى واجهة التغطيات الإعلامية حول الأزمة الراهنة أنباء حول هجوم سيبراني وافق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على تنفيذه ضد إيران وأدى إلى تعطيل أنظمة الحاسوب المستخدمة في إطلاق الصواريخ.

وأشار تقرير نشرته صحيفة «واشنطن بوست» إلى أن الهجمات الأمريكية تم التخطيط لها منذ الاعتداء الإيراني على ناقلتي نفط في خليج عمان.

المؤكد أن الهجمات السيبرانية هي أحد البدائل الاستراتيجية المهمة لدى الولايات المتحدة لتقويض القدرات الإيرانية على زعزعة الأمن الإقليمي، ولكن هذه الهجمات تجري بشكل سري حيث يرفض البنتاجون الإعلان عنها أو مناقشتها علناً باعتبارها تجري في إطار استخباراتي، كون البعد السيبراني حاضراً بقوة في الصراع الإيراني ـ الأمريكي في الخليج العربي، حيث تسعى إيران منذ سنوات إلى اختراق أنظمة السيطرة العسكرية الأمريكية في المنطقة.

وتحذر الكثير من الدراسات الغربية المتخصصة من تنامي القدرات السيبرانية الإيرانية، ولاسيما تلك التابعة للحرس الثوري، إذ تعتبر إيران من الدول الأكثر تهديداً وخطورة على البنى التحتية الإلكترونية الغربية، وتشير هذه الدراسات إلى اهتمام الحرس بتطوير القدرات السيبرانية منذ هجمات فيروس «ستوكسنت» الشهيرة التي أوقعت خسائر كبيرة بالبرنامج النووي الإيراني عام 2010، ولاسيما أجهزة الطرد المركزي الخاصة بتخصيب اليورانيوم.

وفي عام 2010 أيضاً، حذر ريتشارد كلارك مسؤول الأمن القومي الأمريكي السابق في كتابه الشهير «الحرب الالكترونية، من خطورة تنامي التهديد الإيراني في مجال الحرب السيبرانية، ويلاحظ أن النظام الإيراني قد أسس عقب هذا التاريخ، وتحديداً في عام 2012 مجلس أعلى للفضاء الالكتروني، يديره الحرس الثوري ويتبع مباشرة المرشد الأعلى علي خامنئي، وقد شنت إيران عشرات الهجمات ضد دول غربية، ربما من أخطرها الهجوم الذي استهدف مجلس العموم البريطاني عام 2017، واللافت أنه جاء عقب توقيع الاتفاق النووي عام 2015، وتضرر بسببه عشرات الحسابات الالكترونية لأعضاء البرلمان وشخصيات سياسية مهمة في الحكومة البريطانية من بينهم رئيسة الوزراء تيريزا ماي، بعدما تم استهداف نحو تسعة آلاف بريد الكتروني واختراق نحو تسعين منها بحسب ما ذكرت صحيفة»ذا تايمز) آنذاك.

وتضع الولايات المتحدة القدرات السيبرانية الإيرانية تحت المجهر منذ سنوات مضت، حيث تضمنت قوائم العقوبات الأمريكية في فبراير عام 2018 شركات الكترونية تابعة للحرس الثوري، عقب اتهامها بشن هجمات الكترونية عدة ضد منشآت أمريكية حيوية! ولا شك أن اهتمام البنتاجون بتقويض أنظمة الحرب السيبرانية الإيرانية مسألة مهمة للغاية لأنه يقوض بالتبعية قدرات إيران على الرد العسكري التقليدي باستخدام منظومات الصواريخ، علاوة على أن الولايات المتحدة تدرك مدى رهان النظام الإيراني على الحروب غير التقليدية في مواجهة التفوق العسكري الأمريكي الكاسح.

وفي ضوء ما سبق، من المفيد الإشارة إلى أن الهجمات السيبرانية لم تكن بعيدة عن دائرة التفكير الاستراتيجي الأمريكي في الرد على الاستفزازات الإيرانية الأخيرة، فقد أشار جون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي، المعروف بحماسه لضرب إيران واحتواء خطرها والحد من تهديدها، في أحد تصريحاته إلى ضرورة تكثيف النشاط السيبراني الهجومي الأمريكي، علاوة على انه لا يمكن لأي مخطط عسكري في المرحلة الراهنة استبعاد الساحة السيبرانية من بين خيارات الرد والبدائل الاستراتيجية المتاحة للرد على هجمات مثل تلك التي نفذها الحرس الثوري الإيراني، بحكم ما يمكن أن يحققه هذا الخيار من مكاسب استراتيجية، وما يحدثه من أضرار بالغة للجانب الإيراني وقدرته على الإيذاء والدفاع الصاروخي.

وثمة نقطة أخرى مهمة تكمن في أن الهجمات السيبرانية تتوافق تماماً مع نهج الرئيس ترامب، الذي يحرص على تجنب الحرب التقليدية قدر الإمكان وتحقيق هدف التصدي للخطر الإيراني مع الرهان بشكل شبه تام على فاعلية آلية العقوبات الاقتصادية لخنق النظام الإيراني ودفعه لما يشبه الاستسلام في هذه المواجهة غير التقليدية.

Email