الحصاد المُر للسياسات الخاطئة

ت + ت - الحجم الطبيعي

نحن أمام الحصاد المر لسنوات طويلة من السياسات الخاطئة التي قادت دولاً كبرى لأن تغض الطرف عن الجهود الإيرانية للتدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، وفي المحاولات المستمرة لتوسيع النفوذ وتشجيع الوكلاء لضرب الاستقرار وإثارة الفتن وتهديد وجود الدولة ووحدتها.

ولم يكن موقف دول المنطقة من الاتفاق النووي مع إيران نابعاً من عداء لشعب إيران الشقيق بل كان انحيازاً لمصلحته التي تتحقق حين يسود السلام الحقيقي المنطقة، وحين لا تقود السياسات الخاطئة لدول كبرى إلى «صفقات» تتصور أن التهديد الإيراني يمكن أن يتوقف باتفاق يطلق يد الحرس الثوري ليستبد بالشعب الإيراني في الداخل، وليواصل جهوده المدمرة لتوسيع النفوذ وضرب الاستقرار والتدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، والتباهي برفع أعلام الحرس الثوري في العواصم العربية!!

ولقد كان من نتيجة هذه السياسات الخاطئة، أن وجدت دول المنطقة العربية نفسها تواجه ـ في وقت واحد ـ خطر جماعات الإرهاب الإخواني والداعشي، مع خطر استيلاء الوكيل الحوثي على صنعاء بدعم إيران. في محاولة لتهديد دول الجوار العربي على الشاطئ الآخر للخليج، وتمهيد الطريق لمد النفوذ الإيراني من خليج هرمز إلى باب المندب. ولولا التصدي الحاسم من دول التحالف العربي لكان الموقف أسوأ بكثير!!

ورغم تطور الموقف بعد ذلك، وإعلان أمريكا انسحابها من الاتفاق النووي وفرضها لعقوبات مشددة على طهران، فإن إيران استمرت في نفس الطريق، وراهنت على أن الخلاف بين أمريكا وأوروبا على الاتفاق النووي يتيح لها أن تستمر على نهجها في ظل ظروف دولية يسودها الصراع بين القوى الكبرى.

ولا شك أن إيران أدركت بعد ذلك أن الخلاف الأمريكي ـ الأوروبي لا يغفل القصور في الاتفاق النووي، ولا يتجاهل مخاطر المحاولات الإيرانية لتوسيع النفوذ في المنطقة، لكنه يتمحور حول طريقة التعامل ووسائل إعادة إيران للوعي بمخاطر ما تفعل أو إجبارها على ذلك.

لكن إدراك إيران للحقائق لم يكن كافياً لتصحيح الموقف، والسنوات الطويلة من تصدير الفتن والعبث بأمن المنطقة وأوهام التوسع كانت قد أنتجت رؤية قائمة على الهروب إلى الأمام، واللجوء للمزيد من التوغل في السياسات العدائية تجاه دول المنطقة، ثم محاولة وضع الممر المائي العالمي حيث تمر ثلث إمدادات العالم من النفط رهينة في قبضة الحرس الثوري!!

وفي مسلسل التصعيد. امتد العدوان من تخريب السفن بالقرب من ميناء الفجيرة، إلى تفجير السفينتين في خليج عمان، إلى إطلاق الصواريخ بعيدة المدى على المنشآت الحيوية في السعودية، ثم إلى استهداف الطائرة المسيرة الأمريكية، ومع هذا التصعيد كان الانتقال من الحرب بالوكالة «عبر الحوثيين» إلى الحرب بالأصالة عبر الحرس الثوري الإيراني.

وأياً كانت مآلات الصدام بين واشنطن وطهران، فإن العالم لن يسمح بأن تكون إمداداته من النفط رهينة لدى الحرس الثوري، ولا أن تكون الممرات البحرية والجوية الدولية تحت التهديد، وإذا كان إيقاف الانزلاق نحو الحرب مطلوباً من الجميع، فإن ذلك لن يكون فاعلاً إلا إذا ترافق مع إنهاء سنوات تصدير الفتنة وتوسيع النفوذ والتدخل في الشؤون الداخلية من جانب إيران والتي استمرت منذ أربعين عاماً وحتى الآن.

من هنا كان مهماً ما سبق أن طرحه وزير خارجية الإمارات، سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان ، من ضرورة مشاركة دول الخليج العربي في أي مفاوضات حول اتفاق جديد مع إيران حتى لا يتكرر ما حدث في الاتفاق السابق الذي اكتفى بهدنة نووية قصيرة ثم ترك المجال واسعاً أمام إيران لكي تواصل سياساتها في التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، ومحاولات التوسع ومد النفوذ والتحريض على الحرب الأهلية ودعم الميليشيات لتكون سلاحها لتحقيق مطامعها ولو أشعلت النيران في المنطقة كلها.

ويترافق ذلك مع دعوة المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته في تأمين الملاحة الدولية وضمان وصول الطاقة من الخليج لدول العالم، وإبعاد هذا الشريان الحيوي لاقتصاد العالم عن مخاطر الواهمين في الحرس الثوري بأن يمدوا سيطرتهم من مضيق هرمز إلى باب المندب.

* كاتب صحفي

Email