تيقّنوا قبل أن تشاركوا

ت + ت - الحجم الطبيعي

إثيوبيا انقسمت إلى نصفين. تنين ميت يسقط من السماء في اليمن. بوتين عمل نادلاً في بيت صدام حسين. زيادة أسعار المحروقات آخر الشهر.

منع استيراد أدوية السكري والسرطان أول الشهر. الرئيس مبارك يرشح نفسه في الانتخابات الرئاسية المقبلة. مسلمون يمنعون مسيحيين من الصلاة في كنيسة القرية. مسيحيون يحرقون مسلماً أثناء توجهه للصلاة في المسجد.

لاجئون يخطفون ويغتصبون فتاتين من أهل المدينة. إلغاء الثانوية العامة. تطبيق نظام الديبلوما الأمريكية على كل المدارس الحكومية بدءاً من العام الدراسي المقبل. مارك زوكربرغ يعتنق الإسلام. مفتي دولة عربية يعتنق المسيحية. نيزك يسقط من السماء على الأرض ويحرق نصف الكرة الأرضية.

الكرة الأرضية تتخبط في غياهب الأخبار الكاذبة، منها ما يختبر قدرة مبتكري الأكاذيب في الضحك على العقول، ومنها ما يقيس مستوى الثقافة ونوعية التعليم لدى مستخدمي الإنترنت، لكن جميعها فضح سكان الكوكب، وإن كانت الفضيحة ذات درجات متفاوتة.

هذا التفاوت لا يعني الكثير، لا سيما وأن 86 في المئة من مستخدمي الإنترنت الذين شملتهم دراسة معمقة (أجريت على 25 ألف مستخدم في 24 دولة) أجرتها إحدى شركات دراسات السوق قالوا إنهم وقعوا في فخ الأخبار الكاذبة. إذاً، جميعنا في هم الفبركة سواء.

وسواء أشارت الدراسة إلى أن المصريين هم الأكثر تصديقاً للأخبار الكاذبة، أو أن الباكستانيين هم الأكثر تشككاً في التعامل معها، وأنها أكثر انتشاراً في أمريكا ثم روسيا وبعدها الصين، يبقى «تايكون» مواقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» هو الأرض الأكثر خصوبة والقناة الأكثر ترويجاً للأخبار الكاذبة والمفبركة، والقادرة على تحويل أصغر كذبة إلى شائعة كبرى تهدد أمن دول وتعرض السلام الاجتماعي للخطر وتفسد العلاقات بين البشر، وذلك عبر جنون الـ«لايك» والـ«شير» دون هوادة.

وعلى الرغم من أن الدراسة المشار إليها أعلاه تؤكد أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت سبباً رئيسياً في عدم ثقة المستخدمين في الشبكة العنكبوتية، إلا أن المستخدمين ما زالوا يستخدمونها بضراوة ودون تفكر في ماهية ما يقرأون ومصداقية ما يتشاركون.

دراسة أخرى أجراها مركز «بيو» الأمريكي للدراسات والأبحاث تشير إلى أن الخطورة الكبرى في الأخبار الكاذبة تكمن في إنها جعلت مستخدمي الإنترنت أقل استعداداً لتصديق وتداول المعلومات الحقيقية والأخبار المؤكدة. وبحسب الدراسة نفسها، فإن الأمريكيين باتوا يصنفون الأخبار الكاذبة باعتبارها أخطر من مشكلات مثل العنصرية والتغير المناخي والإرهاب!!

والحقيقة أن هذا يجعل الأمريكيين في وضع أفضل منا بكثير. لماذا؟ لأنهم على الأقل يعون أن هناك خطراً ما اسمه «الأخبار الكاذبة»، وأنه يهدد حياتهم بشكل يفوق كل ما سبق من ملفات ومعضلات ظنوا في حينها أنها الأخطر والأفظع. أما نحن.

فما زال بيننا كثيرون يتمسكون بتلابيب الأكاذيب، لا سيما تلك التي تعضد أهواءنا أو تصب لصالح أيديولوجياتنا التي ظهرت على السطح مع هبوب رياح ما سمي بـ«الربيع» في أوائل عام 2011. ليس هذا فقط، بل زاد طين الانسياق وراء الأهواء والانتماءات بلة تخصص فضائيات ظننا في البداية إنها صوت المصداقية ونبراس الشفافية في بث الأكاذيب ودق الأسافين.

وبينما دراسات غربية واستقصاءات بحثية تنشر نتائجها يومياً المشيرة إلى وقوع الجميع – بشكل أو بآخر ـــ تحت طائلة الكذب وفي دائرة الخطر، يمضي كثيرون منا قدماً في تسفيه التحذيرات من هذا الخطر الداهم. ويعتقد البعض إنه – في إطار بحثه عن الحرية وتنقيبه عن الديمقراطية ـــ يتحتم عليه اعتبار التحذير من الأخبار الكاذبة مؤامرة لتقويض الحقوق ومخططاً لإجهاض الفرص.

صحيح أن أدوات التضييق والحجب والمنع كثيراً ما يساء أو يُبالغ في استخدامها عربياً، إلا أن الوعي بماهية الشبكة العنكبوتية والثقافة اللازمة للتعامل مع محتوياتها باعتبارها «كتابات» تحتمل الصواب والخطأ تعانيان عربياً.

وعربياً أيضاً، تلقى التدوينات والتغريدات التي تتعلق بالصحة رواجاً كبيراً. وهو مجال لم يسلم من سموم الفبركة. أدوية تنحيف، وعقاقير تعالج الكبد والقلب والمعدة، وغيرها معضدة بنتيجة بحث في جامعة كذا أو دراسة في مركز كذا، وذلك دون سند أو حجة.

رجاء، تيقنوا قبل أن تشاركوا.

* كاتبة صحافية

 

Email