مصر في قمم مكة

ت + ت - الحجم الطبيعي

وسط أجواء روحانية رائعة وفي البقعة المباركة، وفي قاعة اجتماعات تطل على الكعبة المشرّفة، جاءت اجتماعات القمم الثلاث الخليجية والعربية والإسلامية، لعل وعسى تكون تلك القمم الثلاث بداية جديدة لصفحة مضيئة في تاريخ العمل العربي والإسلامي المشترك الرافض للإرهاب والتطرف، والداعي إلى الوحدة ولم الشمل ونبذ الخلافات، ومواجهة التحديات الخطيرة التي تواجه الأمتين العربية والإسلامية.

القمتان الخليجية والعربية كانتا ضروريتين قبيل القمة الإسلامية، لتأكيد وحدة الصف العربي الرافض لما تقوم به إيران من تدخلات في شؤون الدول العربية، وقيامها بدعم الميليشيات والجماعات المسلحة في عدد من الدول العربية، بما يهدد وحدة واستقرار هذه الدول.

كانت الرسالة واضحة وهي وحدة العالم العربي كله، وتضامنه مع المملكة العربية السعودية والإمارات، وإدانة إطلاق الصواريخ التي تهدد المناطق الآمنة في المملكة العربية السعودية، ورفض عمليات التخريب التي طالت بعض السفن الإماراتية، والوقوف ضد تهديد الملاحة وحركة التجارة العالمية.

ولأن مصر هي رأس العالم العربي ومصدر قوته، فقد كان الموقف المصري واضحاً وشديد القوة، وتضمنت كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي رؤية إستراتيجية شاملة للوضع في المنطقة تضع في الاعتبار المخاطر والتحديات التي تواجه المنطقة، وكيفية مواجهة تلك التحديات والمخاطر، في ضوء أربعة محددات رئيسية هي:

أولاً: إدانة الهجمات التي تعرضت لها المملكة العربية السعودية والإمارات، واعتبارها أعمالاً إرهابية صريحة تتطلب المواجهة والمحاسبة لمنع تكرارها، وضرورة تفعيل آليات التعاون العربي في مواجهة الإرهاب، ومواجهة أي محاولة للمساس بالأمن القومي العربي بشكل سريع وحاسم.

ثانياً: ضرورة تبني رؤية إستراتيجية لأزمات المنطقة تجمع بين الإجراءات السياسية والأمنية، بحيث يظل السلام خياراً إستراتيجياً للدول العربية في التعامل مع جيرانها، وفي الوقت نفسه عدم التسامح مع أي تهديدات تواجه الأمن القومي العربي.

ثالثاً: تأكيد ضرورة إيجاد حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية من خلال إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس، وكذلك وضع تصور لمعالجة أزمات سوريا وليبيا واليمن، بما يضمن استعادة وحدة هذه الدول وسيادتها، لتحقيق طموحات شعوبها.

رابعاً: التعامل بحزم مع كل أوجه التدخلات الإقليمية والخارجية، بما يضمن التصدي للأطراف الإقليمية التي تهدد الأمن القومي العربي، أو تحاول التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، وفي الوقت نفسه تصحيح مسار الأطراف العربية التي تتورط وتشارك في التدخلات في الشؤون الداخلية العربية.

الإستراتيجية المصرية في معالجة الأزمة الراهنة تعيد زمام المبادرة إلى الدول العربية بعيداً عن سياسة رد الفعل، كما أنها أيضاً تفتح الباب أمام الأطراف الإقليمية والعربية المتورطة في الأزمات العربية، وعلى رأسها إيران وتركيا وقطر وإسرائيل، لإعادة النظر في مواقفها مرة أخرى، وإيجاد صيغة للسلام والتعايش تتسع للجميع في المنطقة، طالما التزمت تلك الدول أو غيرها بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للعالم العربي، واحترام خصوصية ومقتضيات الأمن القومي العربي، وقبول سيادة الدول العربية على أراضيها.

هناك فرصة تاريخية أمام إيران لمراجعة موقفها، في ضوء البيان الختامي للقمة العربية الطارئة في مكة المكرمة إذا كانت راغبة بحق في السلام وحسن الجوار مع الدول العربية، إلا أن ذلك يقتضي خطوات ضرورية عدة من جانبها لعل أبرزها:

أولاً: أن تعلن إيران قولاً وفعلاً سحب دعمها ميليشيات الحوثي في اليمن، وقطع خطوط الإمدادات عن تلك الميليشيات التي خربت اليمن وأخذت الشعب اليمني رهينة لمخططاتهم الشيطانية.

ثانياً: ابتعاد إيران عن المشهد في سوريا، وضرورة أن تترك إيران مصير الشعب السوري للسوريين أنفسهم، وكذلك الحال في لبنان والعراق.

ثالثاً: إعلان طهران احترامها سيادة الدول في السعودية والإمارات، والانسحاب من الجزر الإماراتية المحتلة، وكذلك تأكيد احترام سيادة مملكة البحرين على أراضيها.

الخلاصة أن تعود إيران إلى داخل حدودها، وتوقف برامجها في تصنيع السلاح النووي والصواريخ الباليستية، وأن تكف عن محاولاتها المستميتة لتصدير ثورتها، وتمويل جماعات العنف والإرهاب والميليشيات داخل بعض الدول العربية من خلال تغذية النزعات الطائفية والعنصرية.

* رئيس مجلس إدارة «الأهرام»

 

Email