حكاية من دفتر الخيانة القطرية

ت + ت - الحجم الطبيعي

في جلسة حوار جمعتني بمجموعة من المفكرين وكبار الكتاب العرب على هامش القمم الثلاث «الخليجية والعربية والإسلامية» التي عقدت أخيراً في مكة المكرمة تبادلنا وجهات النظر. واسترجعنا حكايات السياسة في المنطقة. ثم تساءل أحدنا هل هناك ارتباط تاريخي للسلوك التركي القطري المعادي للأمة العربية والإسلامية؟للوهلة الأولى، كان السؤال صادماً.

قليل من الصمت لم يقطعه سوى الكاتب الصحفي يوسف البنخليل رئيس تحرير صحيفة الوطن البحرينية، ليجيب عن السؤال راوياً حكاية -من كتاب صدر حديثاً له بعنوان «الزبارة» وهي «مدينة بحرينية تحت الاحتلال القطري» -تؤكد أن هناك ميراثاً طويلاً للانتهاكات والتجاوزات في حق العرب، منذ أن توحد العثمانيون في شبه جزيرة قطر مع آل ثاني، ليقودنا الكاتب إلى مناقشة ما فعله العثمانيون ضد البحرين.

ويروي أنه عندما دخل العثمانيون إلى شبه جزيرة قطر في العام 1871، اختلت العلاقة بين آل خليفة وآل ثاني، ففي ذلك الوقت كان حاكم شبه جزيرة قطر وجزر البحرين الشيخ عيسى بن علي آل خليفة يحكم كل شبه جزيرة قطر، إضافة إلى جزر البحرين، لكن مع قدوم العثمانيين تراجعت سيطرته ونفوذه في المناطق الشرقية الجنوبية.

وبقي الحاكم يسيطر على المنطقة الشمالية الغربية من شبه الجزيرة، رغم كل المحاولات التي بذلها آل ثاني مع حلفائهم من العثمانيين لمد سيطرتهم على المناطق الخاضعة لشرعية آل خليفة، خاصة «الزبارة».

في الفترة اللاحقة، أي في تسعينيات القرن التاسع عشر، ورغم اعترافهم بسلطة قاسم بن ثاني على الدوحة فقط، أقر العثمانيون بسيادة آل خليفة على «الزبارة» وأن النعيم من رعايا الشيخ عيسى بن علي آل خليفة. وفي نهاية القرن التاسع عشر كان قاسم بن ثاني موظفاً لدى سلطة الاحتلال العثماني في الدوحة بعد أن سيطر العثمانيون على مفاصلها.

فأخطر العثمانيين في سبتمبر 1893 بأنه لم يعد قادراً على القيام بمهام القائم مقام، وطلب قبول استقالته، واتهم النعيم بأنهم وراء الأسلحة التي فقدتها القوات العثمانية، وبالتالي صارت أسلحتهم ضمن سلاح شيوخ البحرين.

قام العثمانيون مع حلفائهم من آل ثاني بسبع محاولات لفرض سيطرتهم على «الزبارة» والمناطق التي يسيطر عليها شيخ البحرين خلال الفترة من 1873 إلى 1903. وجميع هذه المحاولات باءت بالفشل. وظلت «الزبارة» خاضعة لسيادة آل خليفة من دون تغيير.

طوال فترة وجود العثمانيين في شبه جزيرة قطر، حرص حاكم شبه جزيرة قطر وجزر البحرين على عدم التفريط بالزبارة بأي شكل من الأشكال، واستمرت علاقاته بمواطنيه ورعاياه فيها. وواصل أيضاً تمويل منشآت ومشاريع عدة في «الزبارة»، وظل يقدم للسكان المؤن الأساسية.

لكن فترة سيطرة العثمانيين على شبه جزيرة قطر لم تكن فترة مستقرة لسكان الزبارة، بل إن العثمانيين عندما دخلوا قطر توجهوا سريعاً إلى الزبارة، وحاولوا إجلاء السكان الموالين لشرعية آل خليفة ضد الاحتلال العثماني من أرضهم قسراً، وهي الأرض التي أقاموا عليها أكثر من 100 عام. وبرز في ذلك الوقت التحالف بين آل خليفة والنعيم، وهو التحالف الذي قاوم المحاولات العثمانية لاحتلال الزبارة.

أما بالنسبة للدوافع التي كانت وراء اهتمام العثمانيين وحلفائهم باحتلال «الزبارة»، فقد كانت سياسية واقتصادية. سياسية للحد من نفوذ أي قوة سياسية في المنطقة، إضافة إلى أن هذه السيطرة ستتيح فرصة استهداف البحرين مستقبلاً من الزبارة بحكم الموقع الجغرافي، ودوافع اقتصادية لأن احتلال «الزبارة» يعني السيطرة على مصائد اللؤلؤ الغنية في تلك المنطقة من الخليج.

إذاً دفتر الخيانات القطري مليء بالحكايات. والعلاقة بين قطر وتركيا تأتي في سياق تاريخي قائم على التأزيم والاستحواذ.

 

 

Email