ثلاثة ملفات سيطرت على انتخابات إندونيسيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

أعلنت مؤخراً نتائج الانتخابات الرئاسية الإندونيسية لعام 2019، والتي فاز بها الرئيس الحالي جوكو ويدودو، بنسبة 55.5 %، مقابل نسبة 44.5 % لمنافسه جنرال الشرطة السابق «برباوو سوبيانتو»، الصهر السابق للديكتاتور سوهارتو، والمتهم بالضلوع في القمع وخروقات حقوق الإنسان خلال السنوات الثلاثين من الحقبة السوهارتية السوداء.

غير أن الأمر لم يمر بهدوء، إذ سرعان ما اندلعت مظاهرات عنيفة في شوارع جاكرتا، خصوصاً بعدما رفض سوبيانتو النتيجة، ولمّح إلى حدوث عمليات غش وتزوير، علماً بأن هذه هي المرة الثانية التي ينافس فيها الرجلان، ويخسر سوبيانتو الانتخابات، ومن المتوقع أن يخسر أيضاً عملية اعتراضه عليها أمام القضاء، كما المرة السابقة.

إن ما أعاق ويعيق لحاقها ببعض جاراتها الآسيويات الصاعدات، عاملان على وجه التحديد، هما: الفساد المستشري في مفاصل الدولة والمجتمع، وهو آفة كرسها نظام الجنرال سوهارتو وبطانته العسكرية، ورموز حزبه حزب جولكار.

أما العامل الثاني، فهو الخلافات التي برزت على السطح، بمجرد وضع البلاد على سكة الديمقراطية، بين المتمسكين بعلمانية الدولة، كوسيلة لتحقيق العدالة والمساواة بين أطياف المجتمع المتباينة عرقياً وثقافياً ودينياً، وبين أولئك المتمسكين بأسلمة مظاهر الحياة، بحجة أن الغالبية العظمى من سكان البلاد مسلمون. ومن المعروف أن هذه الخلافات تسببت طويلاً في استشراء العنف والعنف المضاد، وظهرت على هامشه جماعات دينية متطرفة ومسلحة، سواء من المسلمين أو غيرهم.

وعليه، فإن حملات الانتخابات الرئاسية التي انطلقت منذ 17 أبريل الماضي، ركزت على ثلاثة ملفات رئيسة، هي: حالة الاقتصاد، وموقع الإسلام الذي لا ينص عليه الدستور كدين رسمي للدولة، وكيفية القضاء على أوجه الفساد المستشري.

فعلى الصعيد الاقتصادي، حاولت حكومة ويدودو ضبط سعر صرف الروبية الإندونيسية، كوسيلة لمنع تدهور مستويات المعيشية، بعدما هوت أسعارها في أكتوبر 2018 إلى حدود لم تصلها منذ 20 عاماً، أي منذ أزمة 1998 النقدية الآسيوية. وسواء أكان هذا بسبب ضغوط صندوق النقد الدولي، أو كنتيجة لسياسات حكومية خاطئة، فإن أثرها كان مدمراً على الإندونيسيين.

وقد استغل سوبيانتو هذا، فراح ينشر أن البلاد لو استمرت على هذا الوضع، فإنها ستفلس بحلول 2030، خصوصاً أن الديون الخارجية المستحقة عليها تضاعفت بنسبة 48 % خلال عهد ويدودو، الذي وعد بجلب الاستثمارات الأجنبية، وبالتالي، خلق المزيد من فرص العمل، فلم يقم إلا بفتح الباب أمام الاستثمارات الصينية، التي ارتفعت من 600 مليون دولار، إلى 3.36 مليارات دولار في عام 2017، علما بأن للاستثمارات الصينية حساسية تاريخية لدى المواطن الإندونيسي.

أما على صعيد تحديد دور الإسلام في الحياة العامة، وتحقيق قدر أكبر من العدالة والمساواة في الوظائف والمناصب والحقوق، فقد عمل على كبح جماح وسائل التواصل الاجتماعي، منعاً للفتنة وإطلاق الشائعات المؤججة للتطرف الديني، وشق صف الوحدة الوطنية، لكنه لم ينجح تماماً، واتهم بالتضييق على الحريات. ومن الجدير بالذكر، الإشارة إلى أن ويدودو واجه منذ وصوله إلى السلطة سنة 2014، الكثير من الانتقادات حول مصداقية توجهاته الإسلامية.

ففي السنوات الأخيرة، حصل الإسلام السياسي في إندونيسيا على زخم ملحوظ، كنتيجة لسعي جماعات إسلاموية لتعزيز مكاسبها ومواقعها، من خلال استغلال القنوات الديمقراطية، بدليل أنها تمكنت من الإطاحة بحليف الرئيس وخياره لمنصب حاكم جاكرتا، لصالح الحاكم الحالي «أنس باسويدان». وهنا أيضاً استغل سوبيانتو وحزبه السياسي (حزب جيريندرا)، الموضوع ببراعة ضده، خصوصاً في أوساط الإندونيسيين خارج العاصمة.

وفي محاولة منه لتعزيز صورته، لا سيما في صفوف الإسلاميين المحافظين، اختار ويدودو زعيم جماعة نهضة العلماء (التنظيم الإسلامي الأوسع انتشاراً في البلاد) «أمين معروف»، كنائب للرئيس على بطاقته الانتخابية.

فيما عمد سوبيانتو بالمقابل إلى اختيار رجل الأعمال «ساندياغا أونو»، علماً بأن هذا ترك منصبه كنائب لحاكم جاكرتا، كي يترشح لمنصب نائب الرئيس. كما عمد سوبيانتو إلى جذب أصوات الإندونيسيين، من خلال إبراز صورته كقائد أمني حازم، قادر على انتشال البلاد من الفوضى، وتحقيق استقرار طويل المدى.

Email