قمة مكة لمواجهة التحديات

ت + ت - الحجم الطبيعي

يوم الخميس المقبل، تنعقد القمة العربية الطارئة رقم 14، التي دعت إليها المملكة العربية السعودية في مكة المكرمة، وسط تحديات ومخاطر عديدة تواجه الأمن القومي العربي، خاصة بعد تعرض منطقة الخليج مؤخراً للعديد من الأحداث الإرهابية والتخريبية للسفن قرب سواحل الإمارات، من بينها ناقلتا نفط تابعتان للمملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى المحاولات الفاشلة للحوثيين في قصف المناطق السعودية بالصواريخ والطائرات المسيّرة، واستهداف الأماكن المقدسة.

القمة العربية الطارئة المرتقبة، تأتي وسط قمتين، الأولى خليجية، تعقد قبل القمة العربية، والثانية إسلامية، تعقد في اليوم التالي لها، وأظن أن المطروح على القمم الثلاث، به الكثير من القضايا المشتركة، إيران طرف رئيس في الأزمة الحالية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال دعمها ميليشيا الحوثيين في اليمن، التي تتبني عمليات القصف الصاروخي للمملكة العربية السعودية والمناطق المقدسة بها.

ما حدث من تطورات أخيرة، كان وراء دعوة المملكة العربية السعودية لعقد قمة عربية طارئة في مكة المكرمة، لمناقشة كل هذه التحديات.

السعودية استشعرت الخطر وقررت الدعوة لعقد قمة عربية طارئة، وفي عام 2018، تعرضت مكة لنفس الهجمات، وحينها دعت السعودية لاجتماع لوزراء الخارجية العرب، لمواجهة تلك الأحداث.

سرعة تلبية الدول الأعضاء لدعوة السعودية، لعقد الاجتماع الطارئ في مكة، إنما هي مؤشر إيجابي من الدول العربية، علي تفهمها للمخاطر والتحديات التي تواجه المنطقة، ورفضها محاولات التدخل الإيرانية في شؤون دول المنطقة، وهو ما يزيد من عزلة طهران، في ظل تصاعد وتيرة المواجهة بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية.

متغيرات عديدة طرأت على التحديات والمخاطر التي تواجه الأمن القومي العربي، وبعد أن كانت إسرائيل هي مصدر التهديد الرئيس والوحيد للأمن القومي العربي، الآن أصبحت هناك تحديات خطيرة أخرى تواجه الأمن القومي العربي، ربما لا تقل خطورة عن التهديد الإسرائيلي، وأبرز هذه التحديات، هي ظهور العديد من الكيانات والجماعات الإرهابية التي باتت تمثل مصدراً خطيراً يهدد الأمن القومي العربي، كما هو موجود الآن في معظم الدول العربية، التي تحارب الكيانات الإرهابية المنتشرة على أراضيها، والتي تهدد وحدة ومستقبل الدولة الوطنية، من خلال تبنيها أعمال العنف والإرهاب، والإصرار الدائم لتلك الجماعات الإرهابية على نشر الفوضى والعنف، وهدم مؤسسات الدولة الوطنية.

هذه الجماعات تنتشر بكثافة في دول مثل ليبيا وسوريا واليمن، ولا تزال تعطل نهضة واستقرار الدول الثلاث، كما أنها موجودة بدرجة أقل حدة في دول أخرى، وبالتالي، أصبحت تلك الجماعات الإرهابية الآن، أكبر مصدر لتهديد الأمن القومي العربي، لأنها تستنزف موارد وقدرات الدول والشعوب، وتزرع الفتنة بين أبناء الشعب الواحد، وتسعى جاهدة لتدمير الاقتصاد الوطني، وأغلب الظن أن هذه الجماعات، تعمل بدعم قوي ومباشر من أجهزة مخابرات دول لها مصلحة مباشرة أو غير مباشرة، في استمرار حالة التراجع والانقسام في العالم العربي.

إيران أصبحت هي الأخرى مصدراً لتهديد الأمن القومي العربي، منذ أن بدأت نواياها العدوانية ومحاولاتها المستمرة لتصدير ثورتها، والتمدد إلى خارج إيران، وتدخلها المستمر في شؤون بعض الدول العربية، خاصة لبنان والعراق واليمن وسوريا، ومحاولاتها المستمرة لتعريض أمن المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات للخطر، وقد تصاعد التهديد الإيراني، بعد دعم إيران للحوثيين في اليمن، وانقلابهم على الشرعية اليمنية، ما ساهم في تعميق الأزمة اليمنية الإنسانية، وارتفاع أعداد الضحايا والمصابين، نتيجة ممارسات الحوثيين المدعومين من إيران.

هذه المخاطر والتحديات القديمة والحديثة، تجعل من الضروري تبني جامعة الدول العربية، رؤية استراتيجية حديثة ومتطورة لمواجهة هذه التحديات، تأخذ في الاعتبار المستجدات التي طرأت مؤخراً، وأصبحت تشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي، خاصة ما يتعلق بالكيانات الإرهابية، والتهديدات الإيرانية، إلى جوار التهديد الرئيس المتعلق بالعدو الإسرائيلي، وعدم رغبته في إقامة سلام عادل وشامل مع الفلسطينيين.

في كل الأحوال، فإن الاستجابة السريعة لعقد القمة العربية الطارئة في مكة المكرمة، تدعو إلى التفاؤل، وتؤكد الشعور المشترك للزعماء العرب تجاه المخاطر التي تحيط بالعالم العربي، وكل الأمل أن تترجم القمة تلك المشاعر إلى قرارات وتوصيات، تحافظ على الهوية العربية المشتركة، وتنقذ المنطقة من المخاطر والتحديات التي تواجهها.

 

 

Email