الطريق إلى التميّز يبدأ من هنا

ت + ت - الحجم الطبيعي

ثقافة الجودة وتميّز الأداء أمور تبدو أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع في عالمنا العربي. على مدى عقود طويلة بتنا نعرف أن الجودة سمة من سمات الغرب، وأن التميز في الأداء هو ضمن التركيب الجيني للأجانب حيث يولدون بها، لكنها لا تتسلل إلينا إلا في حالات التزاوج أو التعايش طويل المدى.

وطول غياب قيم الجودة وأشكالها عن حياتنا أدى إلى خروج أجيال إلى الحياة، وهي تعتقد أن سنة الحياة أن تكون بلا جودة. البعض اعتقد أن الجودة رفاهية. والبعض الآخر ظن إنها سمة من سمات بلاد تقع على الجانب الآخر من الكوكب. وقلما توقف أحدهم ليفكر عن أسباب تبدد ثقافة الجودة، وعوامل انعدام التميز فيما نقوم به من أعمال.

ولا أعتقد أن أحداً في وسعه أن ينكر أن الاضطرار لإنهاء معاملة رسمية أو التوجه لمصلحة حكومية لإبرام تعاقد أو ما شابه كان يعني كابوساً بكل المعايير. معايير الجودة في الأداء الحكومي ظلت لسنوات طويلة حلماً وضرباً من خيال، لكن دولة الإمارات العربية المتحدة حولت الحلم إلى خطوة على طريق التفعيل.

وجانب من أهمية هذه الخطوة يكمن في أن ما قامت به الإمارات على طريق بناء وترسيخ ثقافة الجودة وتميز الأداء في العمل الحكومي لم تحتفظ به لنفسها، أو تمنعه عن شقيقاتها، بل جعلته نقطة بداية لحراك عربي في مجال الإدارة وتطوير مفاهيم الإدارة في العمل العربي الحكومي.

روشتة ترسيخ الثقافة تحوي تركيزاً على الابتكار لضمان الاستدامة وتطوير القدرات والتعلم من نتائج الأداء التي يتم متابعتها، وهذا لا يحدث إلا بتضافر جهود ومشاركة الأطراف الثلاثة: المتعاملون والمجتمع والمعنيون بالعمل الإداري الحكومي.

كما تنص على مراعاة جوانب الاختلاف والخصوصية في طبيعة عمل الجهات الحكومية. وفي الروشتة تركيز على الخدمات والتحول الذكي. وفي وسط كل هذا، تتطور فلسفة إدارة الأداء ويتم ربطها لتحقيق الرفاهية والسعادة للمجتمع.

الروشتة تم تطبيقها بالفعل في الإمارات. وأمارات النجاح وعلامات الإنجاز واضحة لكل ذي عينين أو بصيرة أو كليهما. والنتيجة قفزة كبرى وعلامة عظمى حققتهما الإمارات في سنوات قليلة لتقول للعالم العربي أن الحلم يمكن أن يتحول حقيقة، شرط الإرادة والاستدامة.

ولم تكن «جائزة التميز الحكومي العربي» التي تم الإعلان عنها قبل أيام في مقر جامعة الدول العربية في القاهرة إلا تفعيلاً لإرادة ترسيخ ثقافة الجودة في العمل الحكومي والتميز فيه عربياً.

صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي قال إن «سرعة التنمية وقوة النهضة واستدامة الرفاهية في أي دولة تعتمد على الأنظمة الإدارية المتقدمة لإدارة الموارد والبشر والمعارف»، مشيراً إلى أن «الأزمة في العالم العربي هي أزمة إدارة».

أزمة الإدارة الحكومية العربية – التي ظن كثيرون – إنها مزمنة وغير قابلة للحل أو خاضعة للحلحلة تشهد انفراجة. وهي انفراجة غير قائمة على حلول وقتية لا تصمد مع الزمن، أو مسكنات تسكن آلام انعدام الجودة وأوجاع غياب التميز، لكنها انفراجة قوامها ترسيخ ثقافة جديدة اسمها «ثقافة الجودة».

وعلى مدار 22 عاماً، هي عمر برنامج الأداء الحكومي المتميز الذي أطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، تمكن بالفعل من أن يكون نموذجاً يحتذى في العالم العربي كله. ولم لا وهو أول برنامج متكامل للتميّز الحكومي في العالم وليس فقط في العالم العربي؟ أصبح البرنامج القوة المحركة لتطوير القطاع الحكومي وتمكينه من تقديم خدمات بالغة التميّز للمتعاملين معه.

واليوم، ينطلق البرنامج ليكون طوق نجاة لشعوب العالم العربي الباحثة عن خدمات حكومية أفضل بعد عقود من المعاناة. العدل والإنصاف والابتكار والشفافية والعمل الجماعي وروح المبادرة والنزاهة والتعلم والتحسين المستمر كلمات تمثل علامات الطريق المؤدي إلى الجودة والتميز الحكومي اللذين رفعت دولة الإمارات رايتهما حتى حققتهما، ثم قررت نقلهما إلى العالم العربي بغرض الاستفادة في الإدارة الحكومية العربية.

معالي محمد بن عبدالله القرقاوي وزير شؤون مجلس الوزراء والمستقبل رئيس مجلس أمناء جائزة التميز الحكومي العربي في الإمارات حين تحدث عن الجائزة في القاهرة قبل أيام قال إنها تهدف إلى إبراز النماذج العربية الإدارية الناجحة ليستفيد منها الجميع.

أفضل وزير عربي، أفضل وزارة عربية، أفضل مدير هيئة أو مؤسسة عربية، أفضل محافظ منطقة، جميعهم موعود بالجائزة التي تأتي تكليلاً لجهود كل منهم وإداراته في تحقيق الجودة وترسيخ التميّز.

وحين يوجه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بأن يكون الفريق الإداري المسؤول عن تطوير الحكومة في دولة الإمارات متواجداً تحت مظلة جامعة الدول العربية لدفع التطوير الإداري العربي، فإن هذا يعني فائدة مضاعفة ومظلة عربية موحدة وقناة لنقل المعرفة، حتى لا تكون هناك حجة مستقبلية لانعدام الجودة وتبدد التميّز. الطريق إلى التميز يبدأ من هنا.

 

 

Email