جسم الموظف الصائم

ت + ت - الحجم الطبيعي

بحلول منتصف شهر رمضان، يتكيف الموظف مع طبيعة شهر الصيام. ليس هذا فحسب، بل يبدأ جسم المرء «بالتخلص من السموم، أيام 16 إلى 30 من الصيام»، وفق استشاري التخدير وطب العناية المركزة في مستشفى أدينبروك في كامبريدج، رازين مهروف.

التحدي الذي يواجه الموظف، يكمن في أول يومين، بعدها يبدأ الجسم بالاستعانة في مخزون الغلوكوز في الكبد والعضلات، لتوفير الطاقة اللازمة لمواجهة تحديات اليوم ونشاطاته. ولحسن الحظ، فإنه بمجرد نفاد «مخزون الغلوكوز»، تأتي الدهون بسرعة لتوفير الطاقة اللازمة للجسم. أي أن الموظف لا يترك وحيداً في صيامه أمام تحديات العمل.

ماذا بعد حرق الدهون؟ تأتي الإجابة السارة، بأن الحرق نفسه يسهم في إنقاص الوزن، وتقليل مستويات الكوليسترول، بالإضافة إلى جعل المرء أقل عرضة للإصابة بمرض السكري، المتفشي في المنطقة العربية بشكل مثير للقلق.

التحدي الذي يواجهنا جميعاً، هو الشعور بالخمول بعد فترة الظهيرة، وهو ناتج من انخفاض نسبة السكر في الدم، الأمر الذي يجعلنا عرضة للصداع والدوران، وربما الغثيان وصعوبة التنفس أحياناً، وفق تقرير للبي بي سي.

مشكلتنا تتفاقم في العمل، ليس بسبب الصيام بالضرورة، بل بعدم الاستعداد لنهار رمضان، بمزيد من السوائل التي تمنع حالات الجفاف الخطيرة، فضلاً عن الكربوهيدرات اللازمة، وشيء من الدهون، شريطة أن يكون النظام الغذائي متوازناً.

أما الخبر السار الآخر، يكمن في أنه بحلول منتصف الشهر، تبدأ أجسادنا بالتكيف مع الصيام، وتتحسن حالتنا المزاجية، ويخضع القولون والكبد والكلى والجلد لعملية تخلص من السموم، بحسب الطبيب مهروف. كما تعود وظائف بعض الأعضاء إلى أقصى أدائها، فتتحسن الذاكرة والتركيز، ويتوفر مزيد من الطاقة.

ومع كل تلك المحاسن، إلا أن العلماء، ومنهم مهروف، لا يرون أن الصيام المتواصل لأكثر من شهر هو أمر صحي، لسبب بسيط، وهو أن «الجسم سيتوقف في النهاية عن تحويل الدهون إلى طاقة، وبدلاً من ذلك يتحول إلى العضلات، وهو غير صحي، ويعني أن الجسم سيشعر بالجوع الشديد».

مشكلتنا ليست في الصوم، بل في غياب التغذية المناسبة، وفي قلة النوم، وقد كتبت مقالاً بعنوان «قلة النوم شماعة الصائم»، وبررت ذلك علمياً. فقد أظهر استشاري الأمراض الصدرية وطب النوم د. أحمد باهمام، أنه عندما قاس مدة نوم المشاركين في دراسته في شهري شعبان ورمضان، وجدها متساوية، غير أن التغير في ساعات النوم والاستيقاظ، هو ما يخل بالساعة البيولوجية في الأيام الأولى من الشهر الفضيل. وهذا ما يبرر الراحة التي يشعر بها من يضبط مواعيد نومه واستيقاظه في سائر أيام الشهر.

باختصار، خُلق جسم الإنسان للتكيف مع شتى الظروف. وأذكر أن جندياً مظلياً في أحد الجيوش العربية، قد أخبرني بأنه ذهل من مقدرة جسمه على التكيف مع أقسى حالات الجوع والعطش، في أشد أجواء الصيف اللاهب، عندما عاش في أوقات عصيبة في قلب الصحراء، مع سوائل قليلة وأطعمة مجففة، جعلته يجتاز اختبار التحمل العسكري. والصيام هو صورة من صور مقدرة جسم الإنسان على التكيف مع المتغيرات، مهما كانت شاقة.

Email