منطقة فوق بارود ساخن

ت + ت - الحجم الطبيعي

كان الغزو العراقي للكويت هو البداية لعودة التدخل الأجنبي مرة أخرى إلى المنطقة بشكل جديد بعد أن غادرها مع ثورات التحرير العربي في الخمسينيات والستينيات، ونالت الدول العربية استقلالها، إلا أن الغزو العراقي للكويت فتح الباب مجددًا أمام التدخل الأجنبي في المنطقة، ونجحت قوات التحالف في هزيمة صدام حسين، وطرد القوات العراقية.

أعتقد أن الغزو العراقي للكويت، والغزو الأمريكي للعراق هما الموجة الأولى من مخطط العصف بالمنطقة وتدميرها من خلال زرع الفتن الطائفية والمذهبية، ولقد استغرقت تلك الموجة الأولى نحو 13 عاما منذ بدء الغزو العراقي للكويت في 1990 حتى الغزو الأمريكي للعراق عام 2003.

منذ 7 سنوات بدأت الموجة الثانية من ذلك المخطط الشيطاني، فيما عرف بثورات الربيع العربي التي اندلعت في المنطقة وبدأت في 17 ديسمبر عام 2010 في تونس، ثم انتقلت بعدها إلي مصر وليبيا، واليمن، والآن في الجزائر والسودان.

الموجة الثانية استغلت حاجة الشعوب إلى الحرية والديمقراطية والعدالة، لتندلع الثورات التي تحولت من الربيع إلى الخريف الحارق الذي كان يستهدف تدمير تلك الدول وقد نجت مصر بأعجوبة من هذا السيناريو اللعين، بعد أن قام الشعب المصري باسترداد ثورته في 30 يونيو، وأعاد بناء مؤسساته مرة أخرى في وقت لا تزال الدول الأخرى تعاني ولا يزال أمامها مشوار ليس بالقصير للخروج من المشهد المأساوي المعقد بها مثل سوريا واليمن وليبيا.

بعض الدول التي لا تريد الخير لليبيا تعارض توحيد المؤسسة العسكرية الليبية بقيادة المشير خليفة حفتر حتى تستمر ليبيا غارقة في أزمتها إلى حين.

السؤال المطروح الآن هل تبدأ الموجة الثالثة من مسلسل تدمير المنطقة بإشعال الحرب في منطقة الخليج وحدوث مواجهة عسكرية بين القوات الأمريكية والإيرانية، وهل يتطور الأمر إلى ما هو أسوأ من ذلك أم تنجح جهود احتواء الأزمة؟

الأمر المؤكد أن إيران لعبت دوراً كبيراً في خلق حالة الفوضى والتوتر في المنطقة من خلال محاولاتها المستمرة والدؤوبة للتدخل في شؤون الدول الأخرى، وإحياء ما يسمى الهلال الشيعي والتدخل المباشر في شؤون العديد من الدول مثل اليمن وسوريا والعراق ولبنان، ومحاولاتها المستمرة للتدخل في شؤون دول أخرى مثل السعودية والإمارات والبحرين عن طريق محاولاتها إثارة القلاقل والتوترات في تلك الدول.

للأسف فقد بلعت إيران «الطعم» الأمريكي كما بلعه صدام حسين من قبل، وبدأت محاولاتها للهيمنة والسيطرة والتدخل في شؤون الدول الأخري، وتورطت بشكل مباشر أو غير مباشر في أزمات اليمن وسوريا ولبنان والعراق، والآن هي في وضع «حرج» بعد أن تصاعدت المواجهة مع أمريكا، وانسحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي مع إيران، ثم بدأت لغة التصعيد فيما بينهما دون وجود سيناريو واضح حتى الآن للتصعيد أو للتهدئة.

تصريحات الرئيس الأمريكي التي أدلى بها يوم الخميس الماضي أمام الصحافيين أثناء استقباله الرئيس السويسري في البيت الأبيض تشير إلى ظهور نبرة جديدة للتهدئة من جانب الرئيس الأمريكي مشيراً إلى أنه يأمل ألا تندلع الحرب مع إيران، وألا تكون الولايات المتحدة في طريقها لخوض حرب مع إيران.

هو مشهد ضبابي حتى الآن لكنه في كل الأحوال يشير إلى مأزق كبير تقع فيه المنطقة يحتاج إلى تكاتف ووضوح رؤية من الأطراف الفاعلة في المنطقة، ولعل هذا هو ما يفسر تلك الجولات والمباحثات التي شهدتها القاهرة أخيراً خلال زيارات عاهل البحرين الملك حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة، وكذلك زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، والتي أكدت خلالها مصر التضامن المصري الكامل مع دولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية في التصدي لكل محاولات النيل من أمن واستقرار البلدين الشقيقين وتأكيد الموقف المصري الثابت باعتبار أمن منطقة الخليج جزءاً لا يتجزأ من أمن مصر القومي.

الخروج من المأزق الحالي وتجنب الموجة الثالثة من الفوضى في المنطقة، يحتاج إلى إعادة ترتيب أوراق من جانب كل الأطراف المعنية خاصة إيران والكف عن محاولاتها التدخل في شؤون الآخرين من دول الخليج أو من الدول الأخرى من أجل تجنب السيناريو الأسوأ، وحتى لا تتكرر مأساة العراق مرة أخرى لأنه سوف يكون السيناريو الأسوأ ليس لإيران فقط، وإنما لكل دول المنطقة بلا استثناء، ولا يصب إلا في مصلحة دولة واحدة فقط وهي «إسرائيل».

 

 

 

Email