أوهام صفقة غاريد كوشنر

ت + ت - الحجم الطبيعي

في مثل هذا اليوم 15 مايو، قبل واحد وسبعين عاماً، أمسى الشعب الفلسطيني وأصبح بلا دولة ولا وطن.

كانت قوات الانتداب البريطاني قد أخذت في الانسحاب من فلسطين، بعد أن راقبت بصمت المجازر الجماعية، وحروب التطهير العرقي التي ارتكبتها العصابات الصهيونية ضد الفلسطينيين العزل، في المدن والقرى التي استولت عليها، وطردت سكانها وسطت على ممتلكاتهم، وقتلت نحو 13 ألفاً منهم وحولت أكثر من 750 ألف فلسطيني إلى لاجئين في مخيمات الشتات.

وفي هذا اليوم أعلن ديفيد بن غوريون رئيس الوكالة اليهودية، إقامة دولة إسرائيل، وليصبح أول رئيس وزراء لها، وليرسخ هذا التاريخ في ذاكرة الأمة بيوم النكبة!

يعدنا صهر الرئيس الأمريكي «غاريد كوشنر» بنكبة جديدة فيما يسمى بصفقة القرن التي سيعلن عن تفاصيلها، كما أشار، بعد انتهاء شهر رمضان، ليس حرصاً على مشاعر الصائمين لا سمح الله، بل انتظاراً لكي ينتهي «نتانياهو» من تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، بعد أن هيأوا له سبل النجاح في الانتخابات العامة الأخيرة، بالاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل، وشطبها مع حق العودة للاجئين الفلسطينيين وحركة الاستيطان التي تتمدد في الضفة، وترسيم الحدود بين الدولتين من مفاوضات الحل النهائي للقضية الفلسطينية.

سبب آخر أعلنه كبير مفاوضي البيت الأبيض «جيسون غرينبلات» لتأجيل الكشف عن تفاصيل الصفقة، التي شارك كوشنر في إعدادها، حتى العاشر من يونيو المقبل، هو، انقضاء عيد «شفوعوت» - عيد الأسابيع - أحد أعياد الحج والحصاد العبرية، ولم يتأخر «غرينبلات» عن التأكيد أن الشيء الوحيد الواضح في تلك الصفقة هو «أن إدارة الرئيس ترامب لن تساوم على أمن إسرائيل»!

معنى الكلام أن المساومات سوف تقتصر فقط على الأمن القومي العربي وعلى حقوق الشعب الفلسطيني.

فمهندسو الصفقة، التي يجري تطبيقها فعلياً على الأرض، بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وتشجيع خطة نتانياهو لضم مستوطنات الضفة الغربية إلى إسرائيل، والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري، وإصدار قانون القومية العنصري الذي يمهد لطرد العرب الفلسطينيين من داخل إسرائيل، يسعون إلى فرض الأمر الواقع على أطراف عربية منهكة بحروبها الداخلية، وطرف فلسطيني منقسم، بين سلطة وطنية محاصرة في الضفة، حصاراً مزدوجاً من قبل واشنطن وتل أبيب، وبين إمارة جهادية في غزة تعرقل كل جهود المصالحة على امتداد اثني عشر عاماً، لتبقي حال الانقسام على ما هو عليه.

ففي ظله تحظى حماس، بحكم إمارة شكلتها بانقلاب على ثوابت منظمة التحرير الفلسطينية، ويحظى من يسعون لشطب القضية الفلسطينية من جدول الصراع الدولي بفرصة مواتية، لتحويلها من قضية تحرر وطني من سطوة احتلال استيطاني عنصري، إلى قضية إنسانية، تلّوح بخطط اقتصادية لتحسين الأوضاع المعيشية للفلسطينيين!

وفي واقع مؤلم كهذا، يجري الرهان على القبول بأي شيء، تعرضه الصفقة علينا. وهو رهان يمكن إفشاله، لو تم التذكر أن التنازلات التي تم تقديمها لإسرائيل طوال العقود الماضية، من الجانب العربي والفلسطيني لم تدفع ساستها إلى الاعتدال، أو الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني.

بل تمادت إسرائيل في العدوان والغطرسة وتحدي القوانين الدولية بالتصدي بوحشية لمظاهرات العودة السلمية لتحصد أرواح شباب وأطفال ونساء لا يحملون سوى حلمهم بالعودة إلى وطنهم المسلوب.

ليس المطلوب من أحد إعلان حرب على تلك الصفقة الواهمة، التي لن تضمن أمن إسرائيل، ولن تجلب استقراراً يحافظ على المصالح الأمريكية والغربية في المنطقة، لأنها لا تتجاهل الحقائق فقط، بل تحطم كذلك قواعد العلاقات الدولية، وتستهين بغرور القوة بما يفرضه القانون الدولي من التزامات، وتختلق واقعاً وهمياً ليس من شأنه الصمود، أمام إصرار الشعب الفلسطيني على نيل حقوقه وبناء دولته مهما طال الزمن.

المطلوب فقط عودة الجميع للتمسك بمبادرة السلام العربية التي خرجت من القمة العربية في بيروت عام 2002، وحملت أول اعتراف عربي جماعي بإسرائيل، وإنشاء علاقات طبيعية معها، في إطار سلام شامل يحقق الأمن لجميع دول المنطقة.

على أن يكون المقابل الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة، بما في ذلك الجولان السوري المحتل، والأراضي المحتلة جنوب لبنان، وقيام دولة فلسطينية ذات سيادة في الضفة والقطاع على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، والتوصل لحل عادل لمشكلة اللاجئين طبقاً للقرار الأممي 194، ورفض كل أشكال توطين الفلسطينيين في البلاد العربية.

ليكن الرهان على إبداعات الفلسطينيين في التصدي للاحتلال، وبأننا أصحاب حق لا يضيع طالما وجد من يتمسكون بالدفاع عنه.

 

 

Email