الجماعة وترامب والعرب

ت + ت - الحجم الطبيعي

من الطريف جداً لحد الإمتاع، متابعة رد فعل الكوكب على «نية» الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إدراج جماعة الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية أجنبية. فمن عجائب القدر، أنه في كل مرة ذُكر فيها اسم الجماعة سلباً أو إيجاباً، بحثاً أو نقداً، خبراً أو تحليلاً، يشمّر الكوكب عن ساعديه، وينبري البعض من بين الصفوف مدافعاً عنها، دفاعاً لا يقل شراسة عن شراسة الجماعة نفسها.

الجماعة التي لا يخفى على كل صاحب نخوة وطنية أو نزعة إنسانية، أنها أصل ومرجع ومصدر الجانب الأكبر من الداء الذي ضرب دولاً عدة، وعلى رأسها مصر، ما زالت تحظى بدفاع شرس من قبل البعض، وما زالت تُعامل وكأنها شأن أي جمعية أهلية أو مجموعة ذات توجهات سياسية لا ضرر منها أو ضرار.

وعلى الرغم مما جرى في مصر، وما يدور في دول عدة، بعضها مجاور وبعضها مداهن، إلا أن نبرة الحديث في أرجاء عدة، ما زال يهيمن عليها تعاطفاً وتفهماً، لكونها جماعة «سلمية» «لم تلجأ للعنف إلا وقت الحاجة» (دون تحديد ماهية العنف ونوعية الحاجة)، و«مستعدة للانخراط في الحياة السياسية من دون توغل أو تغول». والأعجب من هذا، أن تقارير غربية عدة، تهجمّت على دول عربية (تحديداً مصر والإمارات والسعودية)، لرفضها انخراط الجماعة في الحياة السياسية.

وعلى الرغم من الوجود الموثق لأجنحة عسكرية مسلحة للجماعة، وما انبثق وانشطر عنها من مجموعات متراوحة الأوزان والتأثير، سواء في مصر أو سوريا، على سبيل المثال لا الحصر، ورغم تقرير بالغ الأهمية، كتبه الديبلوماسي البريطاني المحنك وسفير بريطانيا السابق لدى السعودية، السير جون جنكينز، والذي قدمه إلى مجلس العموم البريطاني، وأكد فيه أن الجذور الفكرية للجماعة تدعم الإرهاب، ورغم ما يهب في أرجاء عدة من العالم العربي من هبات ربيعية ملبدة بفكر الإخوان بشكل أو بآخر، يظل البعض مدافعاً شرساً ومجملاً شرهاً لفكر الجماعة الأسود وتوجهاتها المعطوبة.

في بدايات «النسائم» الربيعية التي هبت على تونس ثم مصر، وبعدها سوريا، تواترت كتابات وتهييئات وتمهيدات عدة، لم نلتفت إليها في حينها. كنا غارقين إلى حد الثمالة، ومغيبين لدرجة الخدر، بما تموج به دولنا من أحداث وحوادث.

وحين تخرج مؤسسة بحثية عريقة بعد أيام قليلة من اندلاع انتفاضة يناير 2011 في مصر، لتستحث العالم ألا يخشى جماعة الإخوان المسلمين المصرية، وأنها (الجماعة) هي الحل الأمثل لمصر، وأن على أمريكا أن تتعلم من إخفاقاتها في إيران وباكستان، اللتين عارضت التحولات التي حدثت فيهما، وأنه كان على أمريكا أن تستوعب هذه التغيرات، وتتعامل معها ولا تناصبها العداء، ومن ثم عليها أن تقبل وترحب بجماعة الإخوان في مصر، فإن هذا يعني الكثير.

وحين تطرح صحف أمريكية عريقة سؤالاً متعجلاً في أعقاب الإعلان عن نية الرئيس ترامب، السعي لإدراج الجماعة ضمن قوائم الإرهاب «هل الإخوان المسلمين جماعة إرهابية؟»، ويركض البعض من الكُتاب للإجابة بأنفسهم «لا لم ولن تكن الجماعة في يوم ما إرهابية»، فهذا يسلط المزيد من الضوء على تغلغل الجماعة وتحركاتها المدروسة جداً، كل بحسب البيئة المناسبة. فالبيئة المتطلبة معونات غذائية ومستوصفات علاج مجانية ومساعدات مالية، تجد الجماعة على أهبة الاستعداد لـ «عمل الخير».

والبيئة التي تتطلب مداهنات سياسية ومراوغات استثنائية للتظاهر بقبول الديمقراطية، حيث قدر أعلى من التعليم لدى القاعدة العريضة من الشعب، وخبرة أوسع في ممارسة الحياة السياسية، تجدها موجودة واضعة يدها في يد أنصار العلمانية ومؤيدي المدنية.

وفي البيئة الحاضنة لمبادئ الحقوق والحريات، والخاضعة لمساءلات حول شفافية الإجراءات القانونية واحترام المواثيق الدولية، تجدها تحاضر في الحقوق، وتدرب أهل البلاد على الحريات.

تصنيف الجماعة إرهابية، أو عدم تصنيفها، لن يصنع فروقاً جوهرية. بل العكس، ربما هو الصحيح، إذ سيمعن في فتح قنوات المشاحنات السياسية المدروسة، والتي تبتغي مصالح داخلية وتربيطات انتخابية في دول بعيدة.

فالجماعة من ألفها إلى يائها بالنسبة للدول القابعة على الطرف الآخر من الكوكب، لعبة مصالح سياسية واقتصادية، وتوازنات لا دخل للإسلام أو الإسلام السياسي أو حق الشعوب في الديمقراطية، أو مسألة الحريات والانتخابات فيها من بعيد أو قريب.

لكن القريب ما يشير إلى أن تغيرات كبرى تحدث، وتحولات عظمى تجري. وإذا كانت جماعات مثل الإخوان وغيرها من المجموعات التي تدّعي الدين وتحارب أو تقتل أو تقسم أو تزرع الكراهية، وتنشر التخلف والتقهقر باسمه، كانت تستمد جانباً من عنفوانها ومصداقيتها أمام البسطاء، من تشابهها وكبار «العلماء»، فإن خروج الداعية عائض القرني معتذراً عن التشدد، وتائباً عن التطرف، ربما ينبهنا إلى ضرورة باتت حتمية، ألا وهي إدراج الإخوان ومن على شاكلتهم جماعة إرهابية، لا بقرارات وزارية أو تصديقات نيابية، بل في عقولنا وقلوبنا، عبر التعليم والتنوير، ومحاربة الفقر، وشيوع العدالة وإتاحة المعلومات.

 

 

Email