مصر في قلب «الحزام والطريق»

ت + ت - الحجم الطبيعي

مشاركة مصر في المؤتمر الثاني لمبادرة «الحزام والطريق»، الذي انطلق صباح أول من أمس الجمعة بحضور 38 رئيس دولة وحكومة في بكين، كانت مشاركة مختلفة عن المؤتمر الأول الذي عقد في مايو 2017 لأسباب عدة، أبرزها نجاح تجربة الإصلاح الاقتصادي المصري بشهادة المؤسسات الاقتصادية العالمية، وثانيها حجم الإنجاز الهائل الذي تحقق خلال تلك الفترة في المشروعات القومية المتنوعة وبدء افتتاح بعض هذه المشروعات، وثالثها تثبيت أركان الدولة المصرية ودخول مصر إلى مصاف الدول المستقرة أمنياً وسياسياً.

هذه الأسباب وغيرها جعلت من مصر دولة جاذبة للاستثمارات، وجعلتها تحتل مكانة القلب في مبادرة «الحزام والطريق»، وهو ما ظهر واضحاً منذ وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى العاصمة الصينية بكين، حيث التقى الرئيس الصيني شي جين بينج، ليصبح هذا اللقاء هو العاشر فيما بين الرئيسين، وسادس زيارة يقوم بها إلى الصين، بما يعكس حجم التقارب بين الرئيسين بعد أن تطورت العلاقات بين الدولتين، لتصبح علاقة استراتيجية طبقاً لإعلان الشراكة الاستراتيجية بين البلدين عام 2014.

خلال اللقاء أبدى الرئيس الصيني إعجابه واهتمامه بما يحدث في مصر ومتابعة تطورات المنطقة الصناعية الصينية في شرق قناة السويس، في إطار الاستراتيجية التي تضعها مصر لتحويلها إلى مركز تصنيع هائل لكل الصناعات المتطورة للسوق المحلية وللتصدير إلى أوروبا وإفريقيا والمنطقة العربية.

التقارب الشديد بين الرئيسين انعكس بدوره أيضاً خلال لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي، حيث شارك وفد ضخم من كبار رجال الأعمال الصينيين ورؤساء كبرى الشركات في اللقاء الذي عقد أول من أمس الجمعة عقب إلقاء الرئيس كلمته في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر.

القاعة كانت مزدحمة بالحاضرين من الجانب الصيني الذين تسابقوا لحضور اللقاء، وكانوا يمثلون كبرى الشركات في مختلف المجالات، وفي بداية اللقاء تحدث الرئيس إليهم بقلب مفتوح، مشيراً إلى حجم التغيرات الهائل الذي حدث خلال الفترة الأخيرة في مصر، وبعد أن كانت هناك مشكلات في البنية الأساسية والطاقة والكهرباء وسعر الصرف، فقد تم بحمد الله التغلب على تلك المشكلات وتحولت إلى تاريخ وذكرى، وانطلقت قافلة الإصلاح على مختلف الصعد مما يجعل مصر بيئة جاذبة للاستثمارات، ومهيأة لاستقبال المستثمرين من كل بقاع الدنيا، مشيراً إلى إعجابه بالمعجزة الصينية التي حدثت خلال الأعوام الأربعين الماضية ورغبته في تكرار تلك المعجزة في مصر أيضاً خلال المرحلة المقبلة.

الملمح الثاني في اللقاء هو تأكيد الرئيس ضرورة الشراكة في المشروعات التي يتم إقامتها بحيث يتاح نقل الخبرات إلى الجانب المصري وتوطين الصناعة في مصر من خلال وجود شريك مصري للمستثمر الصيني في مختلف المجالات.

التجربة الصينية تصلح لأن تكون تجربة ملهمة لكل الدول النامية في العالم، لأن الصين لا تزال تعتبر نفسها من بين تلك الدول النامية، رغم التقدم الهائل الذي حدث فيها أخيراً، ونجحت خلاله لتصبح ثاني أكبر اقتصادات العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وتتخطى دولاً عدة كانت تسبقها قبل ذلك.

أعتقد أن النموذج المصري في الإصلاح الاقتصادي يكاد يشبه النموذج الصيني، رغم حداثة النموذج المصري، الذي يركز أيضاً على إنشاء شبكة ضخمة من البنية الأساسية في مختلف المجالات، خاصة الطاقة، والكهرباء، والكباري، والطرق، والأنفاق، والمدن الجديدة، والمياه، والصرف، وشق شبكة ضخمة من الطرق الحديثة ذات المواصفات العالمية للربط بين المناطق المختلفة، بما يجعل مصر مؤهلة لجذب الاستثمارات بعد سلسلة الإصلاحات الاقتصادية الضخمة التي أدت إلى استقرار سعر الصرف، وتحسن تصنيف مصر الائتماني، واسترداد ثقة المؤسسات الاقتصادية العالمية.

على الجانب الآخر، نجد أن حجم التبادل التجاري بين مصر والصين نحو 13.8 مليار دولار أمريكي، منها ما يقرب من 12 مليار دولار صادرات صينية إلى مصر، ونحو 1.8 مليار دولار صادرات مصرية إلى الصين، بما يشير إلى أن الميزان التجاري يميل إلى الصين بشدة، نتيجة النهم الاستهلاكي الرهيب المسيطر على عادات الشعب المصري، والنقص الخطير في الإنتاج، والأهم من ذلك قدرة الصين على إنتاج ما يناسب كل الأذواق والطبقات، فالمنتج الصيني فيه «الغالي» و«الرخيص»، كما يقولون، وللأسف الشديد لجأ بعض التجار المصريين في فترات سابقة إلى الاستيراد العشوائي من الصين وأغرقوا الأسواق المصرية بأنواع رديئة من المنتجات أسهمت في عميق أزمات الصناعة المصرية قبل تحرير سعر الصرف.

بعد تحرير سعر الصرف واتباع الحكومة المصرية ضوابط محددة في الاستيراد، تضمنت ضرورة الالتزام بجودة المواصفات، تغير الحال إلى الأفضل، لكن لا يزال هناك مشوار طويل يحتاج إلى جهد هائل للاستفادة من التجربة الصينية في التصنيع، وتوطين التكنولوجيا، وإعادة التوازن المفقود إلى الميزان التجاري مع الصين، وبعدها يمكن أن تتحول مصر إلى صين العرب وإفريقيا مستقبلاً من خلال برنامج إنتاج صناعي طموح في مختلف المجالات.

التعاون المصري ـ الصيني يمكن أن يمتد إلى مجالات عدة ضمن مبادرة «الحزام والطريق»، في ضوء زيادة معدلات التعاون الثنائي، خاصة أن مصر تقوم بإنشاء العديد من المشروعات القومية العملاقة في مجالات الطرق والموانئ والطاقة، وإنشاء المنطقة الاقتصادية في شرق قناة السويس، مما يضع مصر في قلب مبادرة «الحزام والطريق»، في ظل ما تتمتع به من موقع استراتيجي بين قارتي آسيا وإفريقيا، وارتباطها بقارة أوروبا عبر البحر المتوسط.

* رئيس مجلس إدارة الأهرام

Email