هل يفعلها الفريق «البرهان» ويغلق مكتب الجزيرة في الخرطوم؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

المتابع عن كثب لتغطية قناة الجزيرة القطرية والمنصات الإعلامية المدعومة قطرياً التي تبث من إسطنبول ولندن للمشهد السوداني، سيكتشف تحولاً كبيراً في تغطيتها لتطورات الأحداث في السودان، وتحديداً منذ 17 أبريل الجاري، وهو اليوم الذي رفض فيه المجلس العسكري في السودان برئاسة الفريق عبدالفتاح البرهان استقبال وفد قطري كان قد وصل الخرطوم يتقدمه وزير الخارجية محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وتسرب الخبر لوسائل الإعلام، وبدا واضحاً أن حكام الفترة الانتقالية في السودان اختاروا مع جماهير السودان الثائرة الثورة أيضاً على كل تحالفات الخرطوم القديمة التي شكلها المعزول عمر البشير، التي كانت سبباً رئيساً في إفقار السودان وعزلته إقليمياً ودولياً.

في نفس اليوم الذي عاد فيه عبد الرحمن آل ثاني للدوحة مطروداً مهاناً، حدث تحول مساء اليوم نفسه في تغطية الجزيرة لأحداث السودان، فمن تغطية إعلامية حذرة غير منحازة نوعاً ما، ركزت جميع التغطيات في الفترات الإخبارية والبرامجية سواء على «الجزيرة الرئيسيّة» أو «الجزيرة مباشر»، على استضافة شخصيات سودانية في ستوديوهات القناتين بالدوحة وعبر الأقمار الصناعية من الخرطوم، تركز فقط على التشكيك في نوايا المجلس العسكري السوداني برئاسة الفريق البرهان، ومحاولة تقليب الجماهير السودانية في اعتصام القيادة العامة على المجلس الانتقالي، واتهامه بأنه لن يسلم السلطة للمدنيين، رغم أن المتابع عن قرب للمشهد هناك سيكتشف أن الفريق البرهان وأعضاء المجلس العسكري كثفوا من لقاءاتهم مع القوى السياسية السودانية، واتفقوا معهم على شكل الفترة الانتقالية التي بموجبها سيتم تشكيل حكومة مدنية انتقالية تنتهي بتسليم كامل للسلطة من المجلس العسكري للمدنيين.

الإحساس القطري بالإهانة من طرد السودان وزير خارجيتهم، وقرارهم بجعل السودان بؤرة للتوتر والانقسام على شاشاتهم، جاء بعد استقبال المجلس العسكري السوداني وفداً مصرياً رفيع المستوى وتلقى الفريق البرهان اتصالاً هاتفياً من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وبعد استقباله وفداً سعودياً وإماراتياً مشتركاً، أعقبه بعدها بيومين تقديم حزمة مساعدات عاجلة للسودان بقيمة 3 مليارات دولار، وكان الغرض الرئيسي من كل ذلك هو تأكيد مصر والسعودية والإمارات على دعم الخرطوم واحترامهم لإرادة الشعب السوداني، وتأكيدهم أن الدول العربية الرئيسيّة لن تترك السودان بمفرده في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها.

كل هذا دفع الجزيرة خلال الأسبوع الماضي إلى حشد الشارع السوداني وتقليب السودانيين على مصر والسعودية والإمارات، فمن استضافة موالين لهم لمهاجمة الدول الثلاث وخلق الشكوك حول الهدف من دورهم، إلى العمل عبر الشاشة وعبر أذرع القطريين والأتراك من الإسلاميين السودانيين على الأرض، في دس هتافات وسط المتظاهرين تهاجم مصر والسعودية والإمارات بل وتنظيم تظاهرات مدفوعة ليس لها علاقة نهائياً بالثورة السودانية، كالتظاهر أمام السفارة المصرية في الخرطوم، والتي تحولت كمادة دسمة للجزيرة وأذرعها كقناة «التلفزيون العربي» في لندن لتكون في مقدمة الأخبار التي يتم تسليط الضوء عليها، رغم وضوح أن هذه التظاهرات مدفوعة الأجر، وهذا الأمر دفع المعارض القطري البارز خالد الهيل لتوجيه رسالة للسودانيين، قال فيها «يجدر بالحكومة والشعب السوداني الانتباه إلى الدور القطري القذر بمحاولة دس السم في عسل الثورة السودانية المباركة وإجهاضها تلك التي أقصت البشير، عملاء قطر المحليون حاولوا تغيير المسار الثوري باختلاق أحداث وتسيير تظاهرات مدفوعة الأجر لتحويل مسار الثورة لاستعداء دول عربية شقيقة».

‏اللعب من القطريين والأتراك في السودان الآن أصبح على المكشوف، فالدولتان لا تتخيلان خروج الخرطوم من دائرة نفوذهما، لا تتخيلان أن تكون الخرطوم بعد البشير أقرب لمصر والسعودية والإمارات من قربها من أنقرة والدوحة، لم تتخيل «تركيا أردوغان» أن هناك سوداناً جديداً لديه القدرة على إلغاء اتفاقية جزيرة سواكن السودانية التي كان البشير قد أبرمها مع أردوغان والتي تسمح لأنقرة بإنشاء قاعدة عسكرية على هذه الجزيرة الواقعة على البحر الأحمر، والتي مثلت انتهاكاً واضحاً للسيادة السودانية وتهديداً حقيقياً لأمن مصر والسعودية.

لم تتحمل الدوحة وتنظيم الحمدين القابع على أنفاس القطريين قدرة حكام السودان الجدد على تعليق اتفاق مشبوه، كان قد أبرمه البشير مع تميم بن حمد بموجبه تسيطر الدوحة على ميناء بورتسودان وميناء عثمان دقنة، لا يستطيع أردوغان ونظام الحمدين بقطر، تخيل أن يكون هناك حكام جدد في السودان يرفضون أن تتحول دولتهم كمعبر لتهريب الأسلحة للميليشيات الإرهابية في ليبيا التي تقاتل الآن الجيش الوطني الليبي.

التحركات الخبيثة لتركيا وقطر في السودان ستستمر، وعلى القيادة الانتقالية والشعب السوداني الحذر منها والتعامل معها بشكل حاسم، وعليهم النظر وبشكل سريع في مهام مكتب قناة الجزيرة هناك في الخرطوم، سيجدون أن العاملين في المكتب لهم أدوار أخرى بعيدة كل البعد عن العمل الإعلامي، أشبه بما كان يفعله مكتب الجزيرة في القاهرة الذي كان يترأسه الهارب عبد الفتاح فايد، والذي كشفت مكالمة مسربة له مع الإعلامي الإخواني أحمد منصور، كيف كان يتلقى أوامر من الدوحة لتنفيذ تغطيات إعلامية واستضافات تخدم الأجندة القطرية وأجندة تنظيم الإخوان، وهو الأمر الذي دفع السلطات المصرية عقب الإطاحة بحكم الإخوان بإغلاق مكتب الجزيرة في القاهرة.

على السودان قيادةً وشعباً متابعة انحيازات قناة الجزيرة القطرية داخل ليبيا، سيجدون أنها تدعم تحركات ميليشيات إرهابية مسلحة تسيطر على العاصمة الليبية طرابلس، سيكتشفون أن القناة تحشد وتحرض ضد أي تحركات إقليمية ودولية للوصول بليبيا لحالة استقرار، سيجدون معاداتها الصريحة لحق الليبيين في وجود جيش قوي يحفظ أمن ليبيا، لا يعنيهم ذلك على الإطلاق، فكل ما يعنيهم هي مصالحهم التي تقاطعت مع مصالح التنظيمات الإرهابية هناك.

عليهم متابعة تغطية الجزيرة للمشهد اليمنى وتحديداً وقت أن كانت الدوحة جزءاً من التحالف العربي ضد ميليشيا الحوثي هناك، وبعد أن تم إبعادها عن هذا التحالف بعد ثبوت خيانتها، سيجدون الشيء ونقيضه، فمن داعم للسلطة الشرعية في اليمن لداعم لميليشيا الحوثي، فالتغطيات الإعلامية تنظم فقط وفقاً لمصالح تنظيم الحمدين، حتى ولو كان هذا على حساب أمن دول الخليج العربي.

عليهم متابعة ومراجعة تناول القناة القطرية للأزمة السورية، منذ انطلاقها في 2011 وحتى اليوم، لن تجد سوى تغطيات إعلامية وفترات برامجية منحازة لتنظيمات إرهابية نشرت الفوضى والدمار في ربوع سوريا، سيكتشفون وذلك هو الأهم كيف عملوا على تدمير دور الجيش الوطني السوري في الذهنية العامة للجمهور العربي، كما لو كان المطلوب من الجيوش العربية أن تقف متفرجة وهي ترى بلدانها تستباح من تنظيمات إرهابية متطرفة لم تجلب سوى الفوضى والخراب.

عليهم متابعة تغطيات الجزيرة للمشهد المصري والسعودي والإماراتي والبحريني، وكيف عملت التقارير والفترات الإخبارية للقناة على تشويه صورة الرئيس عبدالفتاح السيسي وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، فقط لأنهم قرروا معاقبة تنظيم الحمدين بمقاطعته وعزله عربياً وإقليمياً حتى يتوقف عن دعم الفوضى والإرهاب في المنطقة، وهو ما حدث بشكل كبير منذ المقاطعة العربية للدوحة في 5 يونيو 2017 والمستمرة حتى اليوم، وستستمر إلى أن تقر الدوحة بالهزيمة وتنفذ الشروط الـ 13 التي قدمها الرباعي العربي لرفع المقاطعة.

على المجلس العسكري السوداني بقيادة الفريق عبدالفتاح البرهان والجماهير السودانية المعتصمة أمام القيادة العامة للجيش في الخرطوم، أن يراجعوا علاقة الخرطوم بالدوحة، ويحققوا في الدور المشبوه الذي يقوم به مكتب الجزيرة في السودان، عليهم أن يدركوا أن الهدف الاستراتيجي لقطر وورائها تركيا في السودان الآن هو توتير علاقة الخرطوم بدول شقيقة ليس لها أهداف سوى استقرار السودان وأمنه، دول شقيقة ليس لها هدف سوى نجاح السودان في تخطي هذه المرحلة العصيبة ومنع سقوطه في الفوضى والفشل الاقتصادي، عليهم اليقين أن أهدافهم هم «كسودانيين» بتطهير السودان من أركان نظام البشير لا يتعارض إطلاقاً مع مصالح هذه الدول، فنظام البشير إن كان السودانيون ذاقوا بسببه الفقر والتقسيم والعزلة الدولية، فإن هذه الدول أيضاً عانت كثيراً من سياسات البشير التي ابتعدت كثيراً عن مصالح العرب والأفارقة، وأن هدف الأتراك والقطريين أن يبقى السودان حبيس سياساته القديمة، فتحالفات السودان الجديدة مع الدول العربية الرئيسيّة بعيداً عن أنقرة والدوحة، ستكون لها انعكاسات ملموسة على أوضاع السودان الاقتصادية في شكل استثمارات كبيرة وتنمية حقيقية في كل ولايات السودان، مما سيترتب عليه أيضاً إنهاء حقيقي لكل التوترات الداخلية في السودان في أقاليم دارفور وكردفان، فالسودان مؤهل ليكون نموذجاً اقتصادياً في التنمية ونقطة اتصال وربط بين الدول العربية والأفريقية.

* عن «اليوم السابع»

Email