الخطوط المشتركة بين أمريكا وأفريقيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل هناك علاقة بين زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي للدول الأفريقية الثلاث (غينيا، وكوت ديفوار، والسنغال)، وبين زيارته الولايات المتحدة في التوقيت نفسه، على الرغم من المشقة وطول السفر بين هذه الدول؟!

الرئيس عبد الفتاح السيسي هو رئيس الاتحاد الأفريقي الآن، بحكم رئاسة مصر الاتحاد هذا العام، ومصر بلد أفريقي له جذوره الأفريقية المتشعبة، ومصالحه الحياتية المرتبطة بالنيل، الذي هو مصدر حياة المصريين، وللأسف الشديد، ولعدة عقود، أهملت مصر القارة الأفريقية بسوء قصد، وعدم تخطيط، على اعتبار أن تكلفة العلاقات مع أفريقيا أعلى من العائد منها، على الرغم من أن أفريقيا قارة «بكر» يمكن أن تصبح مصر بوابتها إلى العالم، والعكس صحيح، كما أن نزاعات المياه ومشكلاتها لا يمكن تجاهلها، لكن الأخطاء القاتلة، التي وقعت فيها السياسة الخارجية لعقود، وتجاهل هذه البديهيات؛ جعل من الضروري بذل المزيد من الجهد لعودة العلاقات إلى ما كانت عليه في الستينيات وما قبلها، ولذلك كانت الزيارات المتكررة للرئيس عبد الفتاح السيسي لتعويض ما فات، حيث قام بنحو 26 زيارة إلى القارة الأفريقية، آخرها زيارته السنغال، وحظيت دول حوض النيل بالعدد الأكبر من الزيارات، حيث قام بزيارة إثيوبيا (6 مرات)، والسودان (5 مرات)، ورواندا وأوغندا (مرتين)، وهكذا، لكنه في التوقيت نفسه امتد اهتمامه إلى بقية أنحاء القارة، وقام بزيارة دول لم يسبقه إليها رئيس مصري من قبل، كما هي الحال في زيارة جمهورية كوت ديفوار الأخيرة، والتي تعتبر أول زيارة لرئيس مصري إليها، في إطار حرص مصر الدائم على تكثيف التنسيق والتواصل مع الأشقاء الأفارقة، وتعزيز العلاقات في مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية.

أفريقيا، الآن، لها ثقل عالمي مهم في السياسة الدولية، ولذلك أصبحنا نرى اهتمام دول العالم المتقدم بالقارة الأفريقية، ومحاولة فتح آفاق التعاون معها، وعقد القمم المشتركة، مثل القمة الأوروبية ـ الأفريقية، والقمة الصينية ـ الأفريقية.. والكثير من القمم الأخرى، التي تركز على فتح مجالات التعاون المشترك بين الدول الأفريقية والدول العظمى، اقتصادياً، وسياسياً، تقديراً من هذه الدول للمستقبل الواعد للدول الأفريقية في مختلف المجالات.

مصر، من جانبها، تسعى جاهدة للحفاظ على حصتها من مياه النيل، بل إنها تسعى لزيادتها، على اعتبار خصوصية الوضع المصري بين دول الحوض، وفقرها المائي، واعتمادها الأساسي على النيل كمصدر وحيد للمياه العذبة، وحتى الآن، وعلى الرغم من النيات الطيبة التي تظهرها إثيوبيا، وتؤكدها، فإنه لم يتم التوقيع كتابة على الاتفاق النهائي الثلاثي بين مصر وإثيوبيا والسودان حول كيفية تشغيل سد النهضة، وسنوات الملء والتخزين، والاشتراطات الفنية اللازمة للتشغيل بالإشراف الثلاثي المباشر حتى لا تتعرض مصر لأي مخاطر ـ لا قدر الله ـ ناتجة عن مدة سنوات الملء والتخزين، أو حدوث نقص في حصة مصر لأي سبب من الأسباب.

ليست قضية النيل وحدها التي تربط مصر بأفريقيا، لكن هناك الكثير من الارتباطات الاقتصادية والسياسية الأخرى، خاصة ما يحدث في دول الجوار المباشر مثل ليبيا، والسودان، أو دول الجوار غير المباشر مثل الجزائر.

مصر حريصة على وحدة وسلامة هذه الدول، وترفض التدخل الأجنبي في شؤون تلك الدول وغيرها.

الوضع في ليبيا شديد الخصوصية بالنسبة لمصر، فهي دولة جوار مباشر، وحدودنا تمتد معها إلى أكثر من 1200 كيلو متر مربع، ولذلك فإن الموقف المصري كان واضحاً، منذ البداية، بضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي الليبية، ورفض أي كيانات غير شرعية تهدد أمن الشعب الليبي الشقيق، مع مساندة الجهود الدولية في التوصل إلى حل سياسي للأزمة يضمن وجود خارطة طريق لحلها وفق مقررات الأمم المتحدة.

على الجانب الآخر، فإن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي الثانية للولايات المتحدة تأتي في إطار الزيارات الثنائية بعد زيارته الأولى في أبريل عام 2017، والتي اجتمع فيها بالرئيس دونالد ترامب، ليكون هذا هو اللقاء السادس بين الرئيسين، مما يشير إلى مساحة التفاهم المشترك، والتقدير المتبادل بين الرئيسين.

هذه الزيارة جاءت في توقيت شديد الأهمية، خاصة أن الرئيس عبد الفتاح السيسي هو رئيس الاتحاد الأفريقي، ومن ثم فإنه يحمل وجهة نظر القارة الأفريقية في الكثير من الأحداث، خاصة تلك الأحداث التي تقع داخل القارة، مثل الأزمة الليبية.

أيضا، فإنه إلى جوار القضايا الأفريقية، هناك القضايا العربية، خاصة ما يحدث في سوريا، وكيفية التوصل إلى حلول للمشكلة بما يضمن الحفاظ على كيان الدولة السورية، ووحدة أراضيها، خاصة بعد أن تم القضاء على «داعش» هناك وسقوط آخر معاقله.

أما القضية الأهم، فهي القضية الفلسطينية، ومناقشة إمكان تحقيق السلام بعد المعاناة الطويلة، مصر تتمسك بمقررات الشرعية الدولية في هذا المجال، وضرورة تحقيق السلام العادل والشامل وفق مقررات الأمم المتحدة، والقرارات ذات الصلة، ومبادرة السلام العربية، التي تؤكد على مبدأ الأرض مقابل السلام، وتتضمن ضرورة الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي التي احتلتها في حرب 1967، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، وكذلك إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي السورية المحتلة في الجولان.

كل هذه القضايا تؤكد وجود خطوط مشتركة بين زيارات الرئيس عبد الفتاح السيسي للدول الأفريقية الثلاث، وزيارة الولايات المتحدة الأمريكية، على اعتبار أهمية أمريكا كدولة عظمى منخرطة في كل تلك القضايا، ولها دورها المؤثر فيها، وفى الوقت ذاته الدور المحوري لمصر على المستويات الإقليمية والقارية، مما يؤكد أهمية التقارب بين الدولتين بشأن تلك القضايا وغيرها.

Email