التعليم وبذور السلبية

ت + ت - الحجم الطبيعي

شاركت أمس الأول الأحد في أبوظبي كمتحدث رئيسي في منتدى الخليج العربي للمعلمين، بدعوة من معالي حسين الحمادي، وزير التربية التعليم، للحديث عن استخدام الإيجابية في التعليم.

فقلت إن الإيجابية ليست كلاماً مرسلاً، وإن منشأ السلبية من البيت والمدرسة والشارع. والأخطر هما البيت والمدرسة، لأن التاريخ يقول إن نوابغ عدة وئدت مواهبهم على يد ولي أمر أو معلم لم يكترث أو يستوعب عظمة هذا العبقري الجالس أمامه. مكتشف المصباح الذي أنار لنا وجه المعمورة اُعتبر مختلاً عقلياً. ومكتشف النسبية أينشتاين يراه أقرانه معقداً.

والإيجابية علم يترسخ يوماً تلو الآخر في أبحاث اشتقت منها نظريات عززت الاعتقاد السائد بأن الكلام السلبي لا يجرح فحسب، بل قد يفضي إلى أمراض خطيرة. فبعد أن جمع البروفيسور مارتن سيليغمان 100 مليون تدوينة في تويتر وصنفها إلى إيجابية وسلبية بعد ترميزها coding والتي تمثل 1300 مقاطعة أمريكية عرضها لنا في خريطة إلكترونية في مؤتمر سابق.

وقارن التدوينات بعشرة عوامل شهيرة في التنبؤ باحتمالية إصابة الفرد ‏بأمراض القلب. هنا كانت المفاجأة أن التدوينات السلبية تنبأت باحتمالية إصابة سكان المقاطعات بأمراض القلب بمعدل إحصائي أكبر من النقاط العشر المتعارف عليها. ‏وهذا يشير إلى أن الكلام السلبي يؤذينا ويشيع أجواء من الكآبة والمرض. ولذلك أكدت دراسة أخرى أنه حتى نزيل وقع الموقف السلبي علينا فإننا بحاجة إلى ثلاثة مواقف إيجابية لنساهم في محو أثر تلك السلبية وفي أحيان أخرى 5 مواقف إيجابية لنزيد تداعيات اجتماعية سلبية.

ولذلك يدعونا مؤسس علم النفس الإيجابي سيليغمان لأن نكتب يومياً ثلاثة أمور إيجابية حدثت معنا طوال اليوم، حيث تبين أنه بعد ستة شهور مجرد تدوين هذه المواقف يومياً قد أسهم في خفض معدل الاكتئاب ورفع معدل الرضا الحياتي.

وعلى صعيد المدرسة تكمن مشكلتنا في أن بعض المدرسين لا يمارسون ‏القدوة الإيجابية، فتجدهم يقمعون الرأي الآخر أو يسفهونه، أو يئدون المواهب فيخسر البلد شخصيات فذة كان يمكن أن تحمل مشعل النور فتجد لنا حلولاً خلاقة لتحديات المجتمع. بدلاً من استيرادها. فكما أن المعلم عمود الخيمة في التعليم فهو أيضا مِعول هدم إذا مارس أمراض المجتمع في فصله الدراسي. فكم من معلم زرع فينا بشغفه لمادته حب الأدب والرياضيات والعلوم والفنون وغيرها. ولذا أميل إلى فكرة أن يكون راتب المعلم قريباً من كبار قياديي الوزارة لننتقي الأفضل ممن يضطرون للانخراط في بيئات العمل الوظيفية الرتيبة تحت إمرة مدير عديم الكفاءة يفاقم معاناتهم ويبدد ما تبقى لهم من شغف.

التعليم هو الحقل الذي نحصد منه مخرجات أجيال المستقبل. وإذا كان المدرس سوداوياً فكيف نتوقع أن تكون شاكلة طلابه. ولذلك قال رشاد فقيها إن عقل الإنسان كالمزرعة المحايدة ينبت فيها ما زرعناه بأيدينا. وهذا يعني أنه إذا زرع المعلم أو ولي الأمر بذور السلبية في الأطفال فلن يجنوا سوى مزيد من الإحباط والتذمر والتراخي.

وكما أن السلبية خيار الانشغال بالنصف الفارغ من الكوب (القصور) فإن الإيجابية هي خيار النظر إلى الجزء الممتلئ.

Email