اعترافات واشنطن بسيادة إسرائيل على أراضٍ عربية محتلة

ت + ت - الحجم الطبيعي

تتوالى الاعترافات الأمريكية بسيادة إسرائيل على الأراضي العربية التي تحتلها، ريثما تعد لإعلان عن صفقة القرن، والتي يعد الرئيس وإدارته معها بحل جذري للصراع العربي-الإسرائيلي. ولكن بعد هذه الاعترافات بأحقية إسرائيل بضم الأراضي التي استولت عليها بقوة السلاح، فإن سقف التشاؤم من هذه الصفقة المقبلة والتي كانت مرتفعة أصلاً زادت ارتفاعاً.

وقد أشار الأمير الحسن بن طلال إلى هذه الوقائع في مقالة قد كتبها 2 إبريل الماضي بعنوان «الكرامة الإنسانية بعد قرن من شرعنة مبادئ السلام العادل». ودون تسمية المقصود، يقول الأمير «اليوم، ونحن نحتفل بمناسبة مرور مئة عام على معاهدة فرساي ونهاية الحرب العالمية الأولى، نتساءل ما الذي حدث لحقّ الشعوب في تقرير مصيرها، وعدم جواز الاستيلاء على أراضي الآخرين بالقوة؟ إن رفض هذين المبدأين قد يكون أحد الأسباب التي تعزز الإحساس بانعدام الأمن لدى الغالبية من شعوب المنطقة».

وقد سبقت الإدارة الأمريكية هذه الاعترافات بقطع المساعدة على الأونروا. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن الإدارة درست هذا الموضوع بعناية وأنها لن تقدم معونات إلى الفلسطينيين. وعللت المتحدثة ذلك بأن «توسع مجتمع المستفيدين أضعافاً مضاعفة وإلى ما لا نهاية لم يعد أمراً قابلاً للاستمرار».

وقد سبق هذا الإعلان نية الولايات المتحدة بتخفيض المساعدات الاقتصادية التي كانت تمنحها بمقدار 200 مليون دولار. وقد بررت الخارجية هذه الخطوة «قمنا بمراجعة للمساعدة الأمريكية للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة لضمان أن هذه الأموال تنفق بما يتسق مع المصالح القومية الأمريكية وتوفير قيمة لدافع الضرائب الأمريكي».

ولم يلتقط الكثير العلاقة بين كل هذه الخطوات الأمريكية تجاه الفلسطينيين والعرب وصفقة القرن. العلاقة هي كالآتي: تحاول إدارة الرئيس ترامب أن تمهد لحل يتماشى مع الخطوط الحمر الإسرائيلية. فبالنسبة لإسرائيل فإن القدس خط أحمر، خاصة عند اليمين الإسرائيلي بقيادة بنيامين نتنياهو وحلفائه في الحكومة الحالية والعتيدة في الانتخابات المقبلة والتي ستصبح أكثر يمينية. ولن تذهب المبادرة بعيداً إذا شملت التخلي عن القدس. فإزاحة القدس عن المفاوضات سيسهل التوصل للحل لأنه يتجاوب مع موانع إسرائيل وضرورات تحالفات الحكومة الإسرائيلية.

وبالنسبة للاجئين الفلسطينيين فإن اليمين الأمريكي الموالي لإسرائيل عمد على ترديد أن تمسك اللاجئين بوضعهم كلاجئين لا يرجع إلى حنينهم لبلد لم يروه أصلاً، بل للمنافع التي يجنوها من وضعهم كلاجئين. بل أن بعضهم يرى أن قضية اللاجئين بدعة ابتدعتها الدول العربية لمحاربة إسرائيل. بل يذهب البعض أبعد من ذلك بإعلان أن الفلسطينيين مهاجرون حديثون إلى فلسطين بسبب الجذب الذي خلقته الاستثمارات الصهيونية في بداية القرن العشرين. ولم يكونوا سوى مهاجرين عرب أتوا من المناطق المحيطة بأرض فلسطين، كما قالت جوان بيترس في كتاب نشر في 1984بعنوان «منذ زمن سحيق».

ولعل هذه الفكرة المسيطرة على عقلية اليمين الصهيوني الأمريكي أوعزت إلى قطع المساعدات عن إحدى دعائم اللاجئين الفلسطينيين وهي الأونروا والذي سيؤدي إلى نهاية سبب وجود اللاجئين الفلسطينيين. وستبدأ الدول العربية والتي تستضيفهم بدمجهم مع مواطنيهم.

وبما أن إسرائيل لا تقبل بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم، فإن إزالتها من أجندة المفاوضات ستمهد للتوصل إلى الحل المنشود. وبالتخلص من قضية القدس واللاجئين سيتسنى التوصل لحل نهائي بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

ولكن ستبقى مسألة ترسيم الحدود بين إسرائيل والدولة الفلسطينية العتيدة. هنا سنرى كيف أن الإدارة الأمريكية ستسمح وستعترف بضم أراضي المستوطنات إلى دولة إسرائيل وقد تعترف بجيوب استيطانية داخل ما تبقى من أراض فلسطينية وستكون تحت سيادة إسرائيل.

وإذا لم يقبل الفلسطينيون بالحل المقترح فإن إسرائيل ستكون بحل من أي التزامات وقد تنسحب مما تبقى من أراض فلسطينية ولكن تحت حصار إسرائيلي كما فعلت في غزة. وستعترف واشنطن بهذا كحقيقة واقعة. ولن يجرؤ أي رئيس قادم على الرجوع من هذه الاعترافات.

ولكن لماذا الاعتراف بالجولان كجزء من إسرائيل كجزء من سيناريو الحل؟ لعل هذا الاعتراف مع صفقة القرن سينهي حالة الصراع العربي-الإسرائيلي إلى الأبد من وجهة نظر هذه الإدارة. فالاعتراف بالجولان كأراض إسرائيلية، وقد يتبعها اعتراف بمزارع شبعا والقرى اللبنانية ستكمل استيلاء إسرائيل على هذه الأراضي وتنهي الصراع العربي-الإسرائيلي.

ولكن التاريخ وذكرى اتفاقية فرساي والذي أشار لها الأمير الحسن بن طلال يعلمنا أن الاتفاقيات المجحفة بالحقوق سيتبعها كوارث وإعادة المطالب لاستعادة الأراضي بالكفاح المسلح أو الحروب. وقد تعطي فرصة أكبر لأنظمة مارقة بلعب دور واسع في هذه المواجهات. ولكن على من تقرأ مزاميرك يا داؤود؟

Email