بين التعصب والتطرف

ت + ت - الحجم الطبيعي

تواضع عرب اليوم على ترجمة الكلمة الإنجليزية -intolerance بالتعصب. وكلمة Extremism بالتطرف. ومع أن أصل الكلمتين العربيتين وفصلهما لا يشيران إلى مضمونهما المتداول الآن، إلا أن ما يتواضع عليه العلم الاجتماعي في معاني الكلمات يجعل من معنيهما الشائع الجديد القيد التداول مفاهيم صالحة لفهم الوقائع وفضها. وبهذا المعنى نتناول مفهوم التعصب.

التعصب بالتعريف هو الإيمان الدوغمائي المطلق بفكرة أو بشخص إيماناً يؤدي نفي المختلف نفياً يصل درجة القتل والإبادة. والكلمة النقيضة للتعصب هي التسامح.

التعصب بهذا التعريف متعدد ومتنوع وليس وقفاً على أتباع معتقدٍ من المعتقدات، أو أصحاب ولاءٍ من الولاءات.

فلقد رأى صاحب هذا المقال بمعنى رأى القلبية ورأى الحسية معاً كل أشكال التعصب. من التعصب الديني لدى بعض المتدينين، إلى التعصب الطائفي لدى بعض المنتمين للطائفية، إلى التعصب الأيديولوجي لدى جميع الأيديولوجيين، ناهيك عن التعصب القومي والمناطق، وفضلاً عن التعصب للأفكار. ولقد شهدت هذا التعصب عملياً لا في بلاد العرب فحسب، بل في الاتحاد السوفيتي الذي درست فيه. كان لينين مثلاً مصدر الحقيقة المطلقة، ويؤدي النيل من لينين في أي فكرة من أفكاره أو نمط من أنماط سلوكه أو ممارساته إلى ما لا يُحمد عقباه.

باستطاعتنا القول دون تردد بأن التعصب دين مستقل بذاته. هو دين قائم بذاته مهما كان القناع الأيديولوجي له، القومية، الدين، العلمانية، الطائفية، العنصرية.

وبالتالي هو ليس صفة لقومية أو لشعب أو لأمة أو لدين سماوي. التعصب هو دين أرضي قائم على الإيمان بحقيقة مطلقة لا يرقى إليها الشك من خلفها ولا من بين يديها، والعنف هو السبيل لتحقيقها أو الدفاع عنها.

أربعون مسلماً يتواصلون مع الله في مسجد نهار الجمعة يقضون قتلاً في نيوزيلندا بيد الأبيض المنتمي إلى الحقد القومي -العرقي. وهم شأنهم شأن الذين يقتلون في كنيسة وهم يناجون المسيح في فرنسا بيد الأسمر، وشأن الفلسطيني الذي يباد باسم الوعد الإلهي، وشأن الذين ترمى عليهم البراميل المتفجرة وهم يقفون أمام فرن الخبز في قرى الشام ومدنها، وشأن من يٌقصفون بالقنابل الفسفورية في إدلب. وشأن الأزديين الذين اقتيدوا إلى التصفية، وشأن الذين تزهق أرواحهم باسم المهدي المنتظر، وشأن الذين أبيدوا باسم استعادة الماضي المقدس الخ الخ.

فالتعصب، ممارسة أو خطاباً قائماً على الوهم أو الكذب، شكل من أردأ الشرور التي يمكن أن يتعرض لها إنسان.

فليس الإيمان بالفكرة هو الشر، فلكل إنسان الحق بأن يعتقد بما يشاء ويؤمن بما يشاء. ولكن تحويل الفكرة والاعتقاد إلى تعصب يحمل الفرد والجماعة على فرضها بالقوة هو الشر بحد ذاته. أو أن تتحول الفكرة أو الاعتقاد أو الإيمان إلى معايير أقيس عليها حق الإنسان الآخر المختلف في الحياة فذلك هو ما يحول هذا المعيار إلى أداة سلب الحياة من الآخر المختلف.

والنتيجة هي التالية: كل إيمان ما يتحول إلى أيديولوجيا تعصبية عند سلطة حاكمة أو غير حاكمة فإنه، أي هذا الإيمان الذي تحول إلى أيديولوجيا تعصبية، يخلق شروط اشتعال الحروب الداخلية والخارجية وأشكال العنف المختلفة من القتل والاغتيال. فالهرتز لية والهتلرية والموسيلينية و الستالينية والخمينية والقطبية والأسدية كل هذه الأسماء رموز للقوة الهمجية التي اغتالت وتغتال الإنسانية ومركزية الإنسان بمعزل عن لونه وعرقه ومعتقده.

فالتعصب دين المجرمين، عبدة القوة الهمجية، وطقوسهم فنون قتل، وأيديولوجيتهم أيديولوجيا الجهل المقدس -لاهوت الظلام. التعصب القاتل دين مستقل بذاته. ومركزية الإنسان بمعزل عن الهمجية، وطقوسهم فنون قتل، وأيديولوجيتهم أيديولوجيا الجهل المقدس -لاهوت الظلام. التعصب القاتل دين مستقل بذاته.

* كاتب فلسطيني

Email