نظرية انتهاء جماعة الإخوان

ت + ت - الحجم الطبيعي

تعد التيارات الدينية المتطرفة مصدر تهديد للدول والمجتمعات، ومن أبرز هذه التيارات جماعة الإخوان، التي أسست عام 1928 على يد حسن البنا في مصر، ثم انبثقت منها فروع في دول أخرى عربية وإسلامية وغربية، وتشكّل ما يسمى بالتنظيم الدولي للإخوان، وعمل التنظيم خلال عقود على غزو الأوساط الشعبية، من خلال شعارات دينية براقة، والمتاجرة بالهوية الإسلامية، والمتاجرة بقضايا الأمة وهمومها، واتباع أساليب شتى للتأثير وتجنيد الأعضاء.

وحرص التنظيم على إبراز نفسه لدى مريديه وفي الشارع العربي والإسلامي كبديل للأنظمة والحكومات، ولم يترك وسيلة لتشويه الدول والتحريض عليها إلا سلكها، كما حرص على إظهار نفسه كقوة إسلامية معتدلة أمام دوائر التأثير والرأي العام الغربي، وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر، ضمن خطط مدروسة لتحقيق الأجندات السياسية للتنظيم.

ومع حدوث ما سمي بالربيع العربي سارع التنظيم إلى ركوب الموجة وتوظيف مجريات الأحداث لصالحه، حتى استطاع التسلق والوصول إلى سدة الحكم في بعض الدول، ولكن سرعان ما تهاوى، ففي مصر وبعد مرور عام واحد فقط سقط الإخوان سقوطاً مدوياً، نتيجة سوء إدارتهم للحكم داخلياً وخارجياً، ومحاولتهم فرض هيمنتهم والاستحواذ على أجهزة الدولة واختطافها، والفشل في توفير الحلول للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية وغيرها، ليخسر التنظيم بذلك مشروعه السياسي في مصر، وتراجع مع سقوطه كثير من المتعاطفين معه، وتسارعت الأحداث لتسلط مزيداً من الضوء على خطورة هذا التنظيم، وإدراج بعض الدول له في قوائم الإرهاب، وليبرز هنا سؤال مهم: هل انتهى التنظيم بذلك؟ وهل تلاشى خطره؟

لقد خسر التنظيم الكثير من شعبيته، وقُطعت العديد من أذرعه، وزاد الوعي المجتمعي في كثير من المجتمعات بخطورته وضرره، وكان لأحداث مصر دور كبير في ذلك، فقد شكَّلت الخسارة السياسية للتنظيم برهاناً لدى الكثيرين على عدم صلاحيته للحكم ولا للسياسة، كما سلَّطت أعمال العنف والتحريض التي ارتكبها قادة التنظيم ومنتسبوه في مصر الضوء على الجانب الإرهابي للتنظيم، ومع ذلك فإن خطورة هذا التنظيم لم تتلاشَ بعد في المرحلة الراهنة، ومعركته مع الدول والمجتمعات ما تزال مستمرة، وذلك لعوامل عدة.

من أبرزها المواقف والاستراتيجيات المتباينة للدول تجاه هذا التنظيم، فهناك دول أدركت خطورته، وكافحت أنشطته، واتخذت استراتيجية المواجهة المباشرة معه، وصنفته على أنه كيان إرهابي، ما أتاح ملاحقته قضائياً، وهناك دول اتبعت استراتيجيات أخرى للمكافحة لاختلاف ظروفها وزاوية رؤيتها للأزمة، بينما هناك دول في المقابل ترعاه، وتحتضنه، وتموله، وتؤوي كبار قادته، بل تحمل أجنداته، وتغذيها من خلال منابرها السياسية والإعلامية، وتدعمها من خلال أجهزتها المختلفة، وهناك دول وقوى تفسح له المجال وتوظفه لمآربها الخاصة.

وقد أدى هذا التباين إلى أن يستغل التنظيم الساحات المفتوحة لتجديد دمائه، ولملمة أوراقه، وتوظيف وسائل الإعلام من فضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي لشن الحملات الإعلامية المغرضة على الدول، والاستمرار في مسلسل التحريض ونشر الأفكار المتطرفة، ولا شك في أن إغلاق هذه الساحات يحتاج إلى جهود كبرى، وتشكيل رأي عالمي بخطورة هذا التنظيم على الأمن القومي للدول، ووضع الاستراتيجيات لتحقيق هذا التوافق على غرار النظرة العالمية تجاه تنظيم القاعدة، وقد أثبتت دولة الإمارات والسعودية ومصر فاعلية استراتيجيتها في مكافحة هذا التنظيم، وإدراجه في لوائح الإرهاب، لتكون بذلك قدوة لبقية الدول لتحذو حذوها.

ويأتي هنا دور مراكز البحوث بتكثيف الدراسات والبحوث التي تكشف التطرف الديني للتيار الإخواني، وارتباطه بالتنظيمات الإرهابية المسلحة، لتكون بذلك حلقة قوية في طريق إدانة هذا التيار عالمياً.

ومن العوامل المؤثرة كذلك في تحديد مستقبل الإخوان طريقة معالجة الخطاب الديني والفكري للتنظيم، وأساليب تفكيكه، وتقديم الخطابات الدينية المناسبة لذلك، والتي تعالج الفكر الإخواني المتطرف بخطاب ديني وسطي معتدل، ينشر الوعي الصحيح، ويقوم بدور فعال في معالجة شبهات الإخوان والوقاية منها، وبمقدار قوة هذا الخطاب التوعوي والوقائي والعلاجي يضعف الخطاب الإخواني ويضمر، والخلل في هذا الباب له نتائج عكسية غير محمودة العواقب، ولا بد من أن يراعي هذا الخطاب ساحتين مهمتين الساحة العربية والإسلامية والساحة الغربية، فيكون خطاباً دينياً مقنعاً ذا تأثير في الساحة العربية والإسلامية، بأن يكون نابعاً من الهوية الإسلامية وثوابتها ومكوناتها الدينية المعتبرة، ومقنعاً أيضاً للعالم الغربي، بأن يعزز قيم التسامح والاعتدال في التعامل مع الآخر.

ومن العوامل المؤثرة كذلك سن القوانين التي تتيح الملاحقات القضائية لهذا التنظيم بما يخدم مكافحة الإرهاب ويجفف منابعه، وكذلك يقظة الأجهزة الأمنية، لكشف الأنشطة السرية للتنظيم، وكذلك التصدي للتيارات الأيدولوجية الأخرى التي تروج للإخوان أو تحمل أجنداته، سواء تيارات دينية كالسرورية، أو بعض التيارات الليبرالية التي تتواطأ مع الإخوان لالتقاء المصالح معهم.

إن العالم اليوم أحوج ما يكون إلى مكافحة التيارات المتطرفة على اختلاف أشكالها، واتخاذ التدابير اللازمة في ذلك، لحماية المجتمعات من خطرها، وإحلال السلام والاستقرار فيها.

Email