«بدنا نعيش».. ونتحرر!!

ت + ت - الحجم الطبيعي

رغم كل المحاولات للتعتيم على ما جرى، فإن «حماس» لم تنجح في إخفاء حقيقة خروج شباب فلسطين إلى ميادين غزة في هذه التظاهرات السلمية ضد الأوضاع البائسة التي يعيشونها في ظل الاحتلال والحصار والبطش الحمساوي الذي تجلى في التعامل مع الشباب المسالم بكل قسوة، واعتقال المئات، والتصرف بطريقة لا تختلف كثيرًا عما يواجهه الشباب من قوات الاحتلال.

لم تفلح محاولات التعتيم، لأن الشباب كان يعكس معاناة حقيقية، وليس عن صراعات فصائلية ضيقة كادت تضيع معها وبسببها القضية الوطنية للشعب الفلسطيني، وهذا ما أدركته معظم الفصائل التي وقفت في صف تحرك الشباب، وطالبت (باستثناء بعض الجماعات) بأن تعتذر «حماس» للشعب الفلسطيني، وبأن تبدأ مراجعة لسياساتها لم يعد منها مفر.

ربما لم يكن هذا التحرك هو الأول في وجه الكارثة التي بدأت بانقلاب «حماس»، واستيلائها على السلطة في غزة قبل اثني عشر عاماً، لكن معظم الهبات السابقة كانت تركز على المطالبة بالوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام.

الآن شبع الفلسطينيون من الحديث عن جهود المصالحة ومن الإصرار على إفشالها، ولهذا يخرج الشباب ليقول إنه قد ملّ من هذه الأوضاع البائسة التي فرضت عليه، وإنه لا يمكن أن يستمر في تحمل أعباء الكفاح ضد المحتل وضد الانقسام وضد قيادات تتصارع على سلطة وهمية، ولا تدرك حجم المأساة التي وصلت إليها قضية العرب الأساسية، وهي تواجه أشرس حملات فرض الأمر الواقع وسد الطريق على قيام الدولة الفلسطينية واسترداد حقوق شعبها المشروعة.

تستطيع سياسة تكسير العظام والبطش بالأبرياء أن تفرق تظاهرة سلمية، ولكنها لا يمكن أن تغلق الأبواب التي انفتحت مع خروج الشباب الفلسطيني الذي لا يمكن لأحد أن يصدق الاتهامات الجائرة أو الجاهلة من السلطة في غزة له بالعمالة والخيانة و... كل هذا الهراء الذي لا يمكن أن يوجه لشباب يعيش في أصعب الظروف ما بين الفقر والبطالة والحصار الإسرائيلي والبطش من الذين استباحوا الدم الفلسطيني لأول مرة، ليحققوا هدفهم في الاستيلاء على غزة.. ومع ذلك لا يتوقف هذا الشباب الفلسطيني عن النضال بالدم ضد الاحتلال، ولا عن التمسك بحلم الدولة المستقلة بقدسها العربية وحدودها التي أقرّها المجتمع الدولي على كامل حدود 67.

لا يمكن لتكسير العظام أن يسكت صوت الشباب الفلسطيني وهو يطلب حقه المشروع رافعاً شعار «بدنا نعيش»، رافضاً هذا الواقع البائس الذي فرض عليه، ورافضاً - في الوقت نفسه - كل المشروعات المشبوهة التي يراد منها أن يكون الانقسام طريقاً لتصفية القضية، وأن يتحول الهدف الأساسي من الدولة الوطنية المستقلة إلى الإمارة في غزة تحت حكم حماس وبمباركة إسرائيل ليكون هذا هو الأساس في «صفقة القرن» التي بدأها الرئيس ترامب بحماقة «منح» القدس العربية لإسرائيل، التي استمرت مع تشديد الحصار ومنع التمويل عن السلطة الفلسطينية وإعلان الحرب على منظمة «الأونروا» تمهيداً لشطب قضية اللاجئين من أي حل.. والتي تعتمد - بعد ذلك - على فصل القطاع عن الضفة، وتقسيم الشعب الفلسطيني، واللقاء مع «الإخوان» في وهم جعل غزة تحت حكمهم بدلاً من فلسطين.

يخرج شباب فلسطين صارخاً «بدنا نعيش» رافضاً كل الأوضاع غير الإنسانية التي يقاسي منها، يطلب حقه في العيش الكريم، لكنه يدرك أن ما يقاسيه هو نتيجة لاحتلال لم يتورع عن ممارسة أبشع أساليب النازية ضد شعب فلسطين، وهو نتيجة الحصار الذي يفرض من أجل تركيع الفلسطينيين ليقبلوا بالتخلي عن أهدافهم الوطنية، وهو نتيجة فشل مسار «أوسلو» على مدى ربع قرن في التوصل للحل العادل الذي يعيد الحقوق ويضمن السلام، وهو أيضاً نتيجة استمرار الانقسام وفشل كل محاولات تحقيق الوحدة الوطنية سبيلاً وحيداً لتحقيق أهداف نضال الشعب الفلسطيني على مرّ السنين.

يخرج الشعب الفلسطيني في تظاهراته السلمية، وهو يعرف أن الطريق إلى «العيش الكريم» الذي يريده لا يمكن أن يكون عن طريق أموال قطر المشبوهة التي تمررها إسرائيل إلى حماس، التي يقول عنها نتنياهو إنها تمرّ لتكون وسيلة معتمدة إسرائيلياً لإبقاء الانقسام.

ويخرج الشعب الفلسطيني طالباً العيش الكريم وهو يرفض - في الوقت نفسه - المخططات المشبوهة لتحويل قضيته من قضية تحرر وطني إلى قضية إنسانية يتم التلويح بحلها مقابل التخلي عن هدف الدولة الفلسطينية المستقلة وعن القدس العربية وعن كل حقوق شعب فلسطين.

ويخرج الشعب الفلسطيني وهو يدرك أن حصاره هو جزء من المؤامرة، وأن التلويح بفيض من المساعدات إذا قبل كياناً مستقلاً في غزة بديلاً عن فلسطين.. هو إهانة لدماء عشرات الألوف من الشهداء، وإهانة أكبر لكل فلسطيني ما زال على قيد الحياة وفي قلبه وعقله حلم الدولة والوطن مهما كانت التحديات.

يعرف الشعب الفلسطيني أن ربع قرن في ظل اتفاقيات «أوسلو» قد أضاع عليه الكثير، ويعرف أن اثني عشر عاماً من كارثة الانفصال بعد استيلاء حماس على السلطة في غزة قد أوصل غزة إلى وضعها الكارثي، وأوصل النضال الفلسطيني إلى مفترق الطرق، حيث أصبح تصحيح المواقف واجباً وطنياً، وأصبح إنهاء الانقسام ضرورة حياة، وأصبح الخطر ماثلاً للعيان، والحل الموعود يبدأ بتهويد القدس ولا ينتهي إلا بشطب قضية فلسطين من جدول أعمال العالم كله.

حين يخرج الشباب الفلسطيني هاتفاً «بدنا نعيش» فعلى الجميع أن يستمعوا له لا أحد يواجهه بالبطش!! وعلى الجميع أن يتفهموا أنهم أمام إنذار حقيقي من شباب لم يعد يتحمل وفواتير صراعات الجماعات والمنظمات على سلطة وهمية، ولم يعد يتحمل أن يكون سلاح التجويع وسيلة لإرغامه على قبول ما لا يمكن قبوله.

الشباب الفلسطيني الذي قاوم بطش الاحتلال لا يمكن أن يقبل بطش «حماس»، ولا يمكن أن يقايض كرامته ببضعة دولارات تمررها قطر وإسرائيل لشراء صمته، ولا يمكن أن يرهن مصيره بيد الإخوان وأحلامهم بإمارة غزة (!!) ولا بيد المتاجرين بالقضية الفلسطينية من أردوغان إلى ملالي إيران، ولا بيد من يتوهمون أن صفقة تبدأ بتهويد القدس يمكن أن تمر!!

حين يقول شباب فلسطين «بدنا نعيش».. فهم يريدون العيش الكريم في وطن مستقل لن يكون إمارة اسمها غزة، بل دولة اسمها فلسطين عاصمتها القدس العربية، ويعرفون أن الوحدة العربية هي الطريق لتحقيق ذلك، هل يستمع المسؤولون في «فتح» و«حماس» وباقي المنظمات صيحة شعب فلسطين هذه المرة.. أم أن على الشعب أن يفرض إرادته في الداخل حتى يستطيع - بجبهة موحدة - أن ينهي الاحتلال ويحقق ما أراده حين هتف: «بدنا نعيش»؟!

 

 

Email