مراكز البحوث الأمريكية والشرق الأوسط

ت + ت - الحجم الطبيعي

تنتشر مراكز البحوث في الولايات المتحدة ومنها مراكز متخصصة، ومنها ما تجمع تحت سقفها مجموعة من التخصصات، فعلى سبيل المثال يوجد مراكز بحوث متخصصة في القضايا الاقتصادية، ومنها لمسألة الموازنة العامة وأخرى للضرائب أو الصحة العامة: مثل مركز الموازنة وأولويات السياسات وكيسر فاملي فاونديشين والمكتب الوطني للبحوث الاقتصادية.

بينما توجد مراكز أخرى واسعة الاهتمام وتعالج مواضيع كثيرة من الاقتصاد إلى قضايا الصحة العامة، ومن السياسة الخارجية إلى الأمن الوطني والهجرة. ومن هذه المراكز معهد أمريكان انتيربرايز، هيرتج فاونديشين ومعهد بروكنز. وعادة ما تتلقى هذه المؤسسات البحثية تبرعات ودعماً مالياً من جهات مختلفة، كل حسب توجهه السياسي أو قضايا الاهتمام. وكما تختلف هذه المؤسسات في نطاق اهتماماتها البحثية تختلف في توجهاتها السياسية، فمنها المحافظة ومنها الليبرالية ومنها من تحتضن المحافظين الجدد ومنها من ترعى القضايا الاجتماعية والسياسية التحررية.

وتحتل قضايا الشرق الأوسط، وخاصة قضايا الصراع العربي-الإسرائيلي، اهتماماً واسعاً في هذه المراكز البحثية ومنها ما هو متخصص في شأن الشرق الأوسط بشكل خاص. ومن هذه المؤسسات المتخصصة في الشرق الأوسط معهد الشرق الأوسط في واشنطن، ومعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، ومركز سياسة الشرق الأوسط (سبان سابقاً) ومعقله في بروكنز واشنطن وكذلك المركز العربي- واشنطن دي سي.

وكبقية المراكز الفكرية فإنها تتقاطع في السعي بالقضايا البحثية مع النزعات السياسية التي تزخر بها واشنطن. وكما ورد في كتاب جون ميرشايمر وستيفن والت «اللوبي الإسرائيلي» فإن توجه بروكنز كان في السابق متوازناً في قضية الصراع العربي- الإسرائيلي، فقد نشر المركز تقريراً في منتصف السبعينيات حول هذا الصراع، وظهر بتوصيات عديدة منها انسحاب من الأراضي المحتلة وإعطاء الفلسطينيين حق تقرير المصير وحرية الدخول في أماكن العبادات لكل الأديان وضمانات أمنية لإسرائيل.

ومنذ بداية الألفية الثانية انقلبت الصورة كلية، ففي العام 2002 تبرع الصهيوني المتحمس حاييم سبان مبلغ 13 مليون دولار لإنشاء مركز سبان لسياسة الشرق الأوسط. ويصف سبان نفسه بأنه مهتم بقضية واحدة وهي إسرائيل، وقد عين السفير المعروف والذي شغل منصباً في اللوبي الإسرائيلي (أيباك) مارتن أنديك مديراً للمركز.

وكان مركز سبان يعقد منتدى سنوياً في واشنطن والقدس بالتناوب ويحضره قادة من الولايات المتحدة وإسرائيل مثل بيل كلينتون وشمعون بيريز لمناقشة مواضيع أهمها تطور العلاقات الأمريكية- الإسرائيلية. وحسب ما جاء في الكتاب «اللوبي الإسرائيلي»، لا يحضر أي فرد يمثل وجهة نظر مخالفة لسياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل في هذه المنتديات.

أما المركز الثاني المؤثر في واشنطن فهو «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى» والذي أسسه أنديك، الآنف الذكر، وآخرون في العام 1985، حين كان يعمل في ايباك، كذراع فكرية للوبي الإسرائيلي. وقد أصبح هذا المعهد من أهم المراكز التي تقدم الاستشارات للحكومة الأمريكية والإعلام بخصوص قضايا الشرق الأوسط. وكما يقول أنديك فإن المعهد صديق لإسرائيل. وقد أشار ستيفن والت أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفرد إلى أن هذا المعهد جزء من اللوبي الإسرائيلي وقد تساءل عن عبثية تعيين أشخاص من هذا المعهد في مراكز صنع القرار في العملية السلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين رغم تحيزهم الواضح لجانب واحد في الصراع. وأشار والت إلى دور دينس روس الذي يشغل منصب زميل ومستشار في معهد واشنطن وله ارتباطات بإسرائيل. وقد خدم روس عدة إدارات كمبعوث للمسيرة السلمية. ويجادل والت أن شخصاً مثل روس أو أنديك لهما علاقات مع إسرائيل بما فيها وشائج وجدانية لا يمكنهما أن يلعبا دوراً نزيهاً كوسيطي سلام في مسألة بالغة التعقيد والأهمية الاستراتيجية كعملية السلام.

وقد أدت هذه المقالة إلى ردة فعل قوية من المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى روبرت ساتلوف والذي اتهم والت بالمكارثية ومحاولة إخراس الأصوات التي لا تعجبه. وأضاف ساتلوف أن المعهد يؤدي خدمات جليلة من قبل باحثين مميزين ومنهم عرب، وبعكس كثير من مراكز البحوث لا يقبل أي تبرعات من جهات أجنبية.

وفي خضم التراشق قام موظف سابق للوبي الإسرائيلي اسمه أم جي روزنبيرغ بمداخلة مهمة. ويقول إن والت محق في ما يقول إن معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ما هو إلى واجهة فكرية للوبي الإسرائيلي، وإن المعهد لا ينتقد إسرائيل البتة. ويقول إن لديه الدليل على ذلك. يقول روزنبيرغ إنه عندما كان موظفاً لدى اللوبي الإسرائيلي كان حاضراً في النقاش الذي يدور حول تأسيس المعهد مع إخفاء علاقته باللوبي. وإن مانحي اللوبي كانوا الداعمين الماليين الرئيسين للمعهد. وكثير من قيادة المعهد ومجلسه الاستشاري من أنصار إسرائيل العتاه.

وأخيراً، بالنسبة لمعهد الشرق الأوسط فقد تأسس بعد الحرب العالمية الثانية (1946) للتعرف على منطقة الشرق الأوسط ومساعدة الأمريكيين لفهم المنطقة. ويصدر المعهد مجلة فصلية شهيرة تعرف بجورنال الشرق الأوسط. كما يقدم المعهد دروساً في لغات الشرق الأوسط مثل العربية والعبرية والفارسية والتركية. ويعتبر المعهد معقلاً لكثير من موظفي الخارجية الأمريكية وبعض المسؤولين السابقين. وفي العادة يتجنب المعهد اتخاذ موقف من الخلافات السياسية في المنطقة، إلا أنه يسعى لتحسين العلاقات بين واشنطن ودول الشرق الأوسط ومنها حل سلمي للصراعات في المنطقة.

هناك العديد من المؤسسات والمراكز المهتمة بمنطقة الشرق الأوسط والمهم التعرف عليها وعلى توجهاتها.

* كاتب وأكاديمي

Email