«ماما ماغي» صانعة الأمل

ت + ت - الحجم الطبيعي

من الواضح تمامًا إننا في أمس الحاجة لبادرة أمل ولمسة عطف وإشارة حنان. ولم يعد هناك أدنى شك أن البشرية باتت متعطشة لوجه أو يد أو قلب أو عقل يرسل رسالة قوامها «مازال هناك أمل، ومازالت هناك إنسانية». إنسانية المصرية ماجدة جبران لم يسمع عنها كثيرون، لكن شعر بها آخرون. تسللت إليهم آثار هذه الإنسانية. غيرت حياتهم. شكلت حاضرهم ومهدت الطريق لمستقبلهم. هؤلاء ليسوا فقراء، أو حتى مساكين أومحتاجين. هم «أفقر من الفقر» على حد قول من أمدتهم بشعاع نور.

«الحظ لا يصنع الرجال، الرجال يصنعون الحظ، وفي صناع الأمل الرجال النساء هم الذين يصنعون الحظ والأمل، والتغيير الإيجابى والبناء. هؤلاء هم الأبطال الجدد، هم النماذج الملهمة». كانت هذه هي الكلمات التي قالها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي وهو يكرم «ماما ماغي» لفوزها بجائزة «صناع الأمل» في عام 2017، لتجربتها في مجال العمل الإنساني وخدمة الإنسانية.

ماجدة جبران، أو «ماما ماجي»، عادت لتجذب الأضواء بعد ما جذبت القلوب وأسرتها، وتحديدًا قلوب 250 ألف أسرة «أفقر من الفقر» ظلت تعمل معهم في ظروف بالغة القسوة على مدار نحو 34 عامًا. بدأت هذه الأعوام بزيارة كان يفترض أن تكون عابرة إلى إحدى المناطق العشوائية في مصر. لكنها ليست مجرد عشوائية حيث أبنية متهالكة أو بنى تحتية شحيحة أو خدمات حكومية بعيدة. إنه «حي الزبالين» الذي يقع في قلب القاهرة، لكن يبعد عنها عشرات السنوات، وربما مئات.

عشش آيلة للسقوط، حيوانات تعيش جنبًا إلى جنب مع الإنسان، تلال قمامة يلهو تحتها الصغار، ويجلس فوقها الكبار. جبران التي صٌدِمت حين رأت هذه المشاهد، قررت ألا تكتفي بالصدمة. وحين تم تدشين مؤسسة «ستيفن تشيلدرن» الخيرية العاملة في مجال مساعدة الأطفال، أصبحت جبران رئيستها وانغمست في مساعدة هذه الأسر مع التركيز على الصغار.

جبران لا تعمل ولا تؤمن بالعمل الخيري القائم على إعطاء المال، وإقامة المشروعات التي من شأنها أن ترفع من المستوى المادي للأسر. صحيح إنها تفعل ذلك، لكنه ليس قلب العمل. قلب العمل يكمن في قلبها، حيث الحق والخير والجمال فعلاً لا قولاً. هي تقول إن الإنسان قد يكون محتاجًا ماديًا، لكن هذا لا يمنع أبدًا من إنه إنسان غني نفسيًا وعقليًا وروحانيًا، لأنه (الإنسان) أعظم قيمة.

قيمة جائزة «المرأة الدولية الشجاعة» التي حصلت عليها «ماما ماغي» يوم الخميس الماضي من قرينة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ووزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو يكمن في اعتراف العالم غرب وشرقه بمجال صناعة الأمل وحرفة إعادة الثقة في إنسانية البشر وقدرة سكان الكوكب على استيعاب بعضهم البعض، وتقديم يد العون لبعضهم البعض، ليس بالمال والطعام والكساء فقط، ولكن بالحب والإيمان بقدراتهم ومستقبلهم.

الخارجية الأمريكية قالت إن «ماما ماغي» تجسد نموذجاً للشجاعة والقيادة المنشودة للارتقاء بالأشخاص الأقل حظاً، ودعم المشاركة المجتمعية، وتعزيز وضع المرأة في مصر. فقد ساهمت «ماما ماغي» في تحسين حياة عشرات الآلاف من الأطفال الفقراء في مصر. وفرت لهم الطعام والملابس والتعليم المجاني، والتدريب المهني للمراهقين. لكن الأهم من ذلك إنها وفرت لهم التوجيه، وقدمت لهم المحبة مؤكدة لهم بالفعل اليومي إنهم ليسوا وحدهم. إنها صناعة الحظ والأمل.

ويبدو أن الإنسانية حين تكرم الإنسانية يتنبه العالم. فالسيدة التي بات العالم يعرفها بـ«سيدة الإنسانية» قالت وقت تكريمها في دبي إن مبادرة «صناع الأمل» فتحت آفاقاً واسعة وكبيرة لرواد العطاء في العالم العربي، وذلك لتعزيز وبث روح الإيجابية في النفوس، وحث أصحاب القلوب الطيبة على التعاضد والتكاتف من أجل إنقاذ الإنسانية في أي مكان. يومها فعلت «ماما ماغي» ما لم يكن في الحسبان، فقد أعلنت أن جانبًا من الجائزة «مليون درهم) ستذهب إلى عدد من المرشحين معها للجائزة،»لأنهم يقومون بأعمال إنسانية رائعة)، فمنهن من ترعى الأطفال حديثي الولادة الذين يولدون لأمهات سجينات، ومنهن من وهبت حياتها لصناعة الأطراف الصناعية للأشخاص ذوي الإعاقة.

بعدها بعام واحد، كانت ماجدة جبران تشكر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي يتيح فرصة دعم أطفال مصر، والمساهمة في تغيير مستقبلهم بالتعليم الذي تقدمه في مؤسستها. يومها أعربت عن ثقتها في تحقيق مصر أهدافها في التنمية والتقدم. وقالت إنها تدعو الله في كل لحظة أن يحافظ الله على سلام مصر ليعيش أطفالها في أمان ومحبة.

إنها حقًا قيم الحق والخير والجمال، تلك التي يهيأ لنا إنها تبخرت في السماء، فإذ بالسماء ترسل رسالة مفادها إن وهن الإنسانية لا يقويه ويعافيه إلا الإنسانية.

Email