تركيا والإخوان ولعبة «تدوير» الإرهاب!!

ت + ت - الحجم الطبيعي

انتهاء المعركة ضد «داعش» لا يزال بعيداً. القضاء على «داعش» في مقرها بسوريا لا يعني القضاء على التنظيم الإرهابي ولا على أفكاره المتطرفة، عناصر التنظيم مستعدون للعودة للقتال سريعاً وهم – في معظمهم – لم يتوبوا أو ينكسروا وسيظلون خطراً داهماً يستوجب اليقظة والعمل الدائم من الجميع.

ليس في هذا كله جديد إلا أنه يصدر هذه المرة عن القيادة العسكرية الأمريكية الأكبر في الشرق الأوسط الجنرال جوزيف فوتيل» الذي يقود القوات المركزية الأمريكية في المنطقة، وأنه يقوله أمام مجلس الشيوخ الأمريكي وأنه يصدر وسط تطورات مهمة في الصراع الدائر على الأرض السورية، ويترافق مع أحداث خطيرة تقول إن المنطقة مازالت بعيدة عن الاستقرار المطلوب، وأن المخاطر أبعد من سوريا وأكثر من الدواعش!!

بالنسبة لأمريكا أصبح واضحاً أن قرار الرئيس ترامب بالانسحاب الفوري من سوريا، قد تم تفسيره ببقاء جزء من هذه القوات التي لم تكن تتعدى 290 جندياً في القواعد الأمريكية في سوريا، وانتقال باقي القوات إلى القواعد الأمريكية في العراق، فيما يبدو أنه إعادة توزيع للجهد الأمريكي استعداداً لمواجهة أوسع للنفوذ الإيراني في أهم نقاط تواجده.

من ناحية أخرى، يبدو أن جهود تركيا لتقديم نفسها كعنصر توازن مع إيران قد انتهت بالفشل، بعد أن أصبح واضحاً أن أردوغان يريد أن يحصل على نصيبه من «الصفقة» مشاركاً طهران وموسكو. وأنه لا يهمه تحجيم النفوذ الإيراني، بل إن ما يهمه هو تعزيز النفوذ التركي وقمع أي تطلعات وطنية لأكراد سوريا وتحويل الشمال السوري إلى منطقة خاضعة لنفوذه تحت لافتة «المنطقة الآمنة»، وبوعد وهمي بأنه الوحيد القادر على تحقيق الأمن في هذه المنطقة، علماً بأنه لم يشارك في قتال جدي ضدهم من قبل وأن حقيقة الأمر هي أنه يريد القضاء على من قاتلوا الدواعش فعلاً من أهل شمال سوريا من الأكراد والعرب!!

والأخطر هنا هو ما تسرب عن تلويح أردوغان لدول أوروبا بأنه قادر على تخليصها من مواطنيها الدواعش في سوريا إذا دعموا مطالبه بترك شمال سوريا وأنه سيكون مسؤولاً عن إنهاء مشكلة دواعش أوروبا الأسرى لدى الأكراد!!

ثم تبين أن أردوغان لن يقاتل الأكراد والعرب السوريين، أما عصابات الإرهاب الإخواني من جبهة النصرة وتوابعها، فكان الحل عنده أن تعلن تحولها لحزب سياسي، فيتناسى العالم إرهابها ويعطيها الشرعية على الطريقة الإخوانية الأردوغانية. وأما الدواعش – بمن فيهم دواعش أوروبا الذين لا تريد دولهم الأوروبية عودتهم إليها- فقد كان الحل عند أردوغان هو الأخطر في مخططه.

كان مخطط أردوغان هو تجميع الدواعش بعد أن أدوا مهمتهم وترك جزء من الدواعش المحليين ليتحولوا إلى «خلايا نائمة» يمكن تحريكها وفقاً لمخططات التآمر بعد ذلك. أما الجزء الأكبر - بمن فيه الدواعش الأوروبيون – فإن تركيا قادرة – بالدعم من قطر وبما يمكن ابتزازه من المال الأوروبي – أن تقوم بنقلهم إلى ليبيا وخاصة في المنطقة الجنوبية (!!) وأن ذلك سيتم بمساعدة جماعة الإخوان، وفي ظل ما تقوم به من محاولات لتحقيق تحالف إرهابي بينهما وبين «القاعدة» و«الدواعش» لتحويل المنطقة إلى مركز للإرهاب يهدد دول شمال إفريقيا ومعها دول الصحراء الإفريقية والقرن الإفريقي.

كان لابد أن تفشل «صفقة» أردوغان التي تعتمد على خداع كل الأطراف، وعلى ابتزاز أوروبا بمواطنيهم الدواعش، وعلى مساومة أمريكا بالتلويح بالتحالف مع طهران وموسكو، وعلى استخدام المال القطري والتنظيم الإخواني.

ولعل هذا يفسر بعض الشيء حالة «الانفعال» التي أصابته فانطلق في تصريحات محمومة ضد مصر، وضد دول أوروبا التي ذهبت للقمة العربية – الأوروبية في شرم الشيخ بحثاً عن حلول حقيقية وليس عن حالة تختلط فيها أوهام الهيمنة مع أموال العابثين الصغار بمصائر شعوبهم، مع انحطاط الإرهاب الإخواني أصل كل إرهاب.

وعندما أعلنت واشنطن أن انسحاب قواتها من سوريا لن يكون كاملاً، وأنها باقية في الشمال السوري لحماية حلفائها في قوات سوريا الديمقراطية.. أدرك أردوغان أن هدف الهيمنة على الشمال السوري لن يتحقق. وعندما طلب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من دول أوروبا أن تتسلم مواطنيها الدواعش الأسرى لدى الأكراد، أدرك أردوغان أن ورقة الابتزاز بهؤلاء لن تكون في يده. وعندما سمع فتوى الأزهر الشريف بأن الإخوان مثلهم مثل الدواعش وجوه مختلفة لإرهاب واحد، كان لابد أن يدرك أن خيوط «اللعبة» التي أدمنها لم تعد في يده!!

لكن الأهم – بالنسبة لنا كعرب – هو أن «اللعبة» قد أصبحت مكشوفة وأن زمن الخداع باسم الدين الحنيف قد انتهى حتى وإن طالت المواجهة، وأن أبعاد الحرب ضد الإرهاب قد أصبحت واضحة وأن التصدي لها لم يعد محل نقاش.

قبل أيام كانت تصريحات وزير الخارجية المصري، سامح شكري، في اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي يعد للقمة العربية المقبلة.. حين أشار إلى اتفاق عربي على محاربة الإرهاب حتى دحره تماماً ونهائياً، وحين أكد أن هذا الإرهاب يحظى بدعم مباشر من أطراف إقليمية معروفة توجهاتها وقنوات إمدادها. مشيراً إلى أن «أجهزة الأمم المتحدة سبق أن ضبطت هذه الأطراف متلبسة بالجرم المشهود تنقل سلاحاً وعتاداً وأموالاً ومقاتلين لبؤر التوتر في المنطقة».

الرسالة واضحة ومن ضبطوا بالجرم المشهود – كما قال وزير خارجية مصر – يفهمون جيداً معنى أن تقول مصر على لسان وزير خارجيتها: «لقد ضقنا ذرعاً من استمرار التراخي في مواجهة خطر الإرهاب» أما المشاركة في دعمه بالمال والسلاح والتحريض من منابر إعلامية مفضوحة تبث سمومها من تركيا أو قطر. فسوف يتحول أصحابها في النهاية إلى المحاكمات الدولية كمرتكبين لجرائم ضد الإنسانية. ولا فرق هنا بين الإخوان والدواعش، أو بين من مول ومن استباح الدماء، ولا فرق هنا بين إرهاب وآخر.

يريدون «تدوير» الإرهاب في عالمنا العربي. ونريد عالماً عربياً بلا إرهاب، ولا مجال للمساومة بين الطريقين!!

Email