حين يصنع الإعلام من الحبة قبة

ت + ت - الحجم الطبيعي

أقام الإعلام من تصريحات لشيخ الجامع الأزهر الدكتور أحمد الطيب مآدب للاحتفاء والذم، مع أن كلتا المأدبتين قد حرفتا تصريحات الدكتور الطيب عن تعدد الزوجات بشكل خاطئ.

فالأول رحب بها باعتبار أن الأزهر يحرم تعدد الزوجات، والثاني، انتهز فرصة التصريح، وشن عليه حملات إرهاب فكري، أبسط مفرداتها، اتهامه بالاجتراء على دين الله، من بعد تهديده بالويل والثبور وتوعده بالملاحقة القضائية، وغير ذلك ممن ينصبون أنفسهم ظلاً لله في الأرض وأنهم مكلفون دون غيرهم بحماية العقيدة والدفاع عن الشريعة، وبات الهم الأول لهؤلاء، هو التربص لكل ما يقول ويفعل الدكتور الطيب، لاسيما بعد توقيعه علي وثيقة «الأخوة الإنسانية» مع بابا الفاتيكان، في العاصمة الإماراتية أبوظبي قبل أسابيع، ربما لأن انتشارها على المستويين العربي والدولي، وتعزيزها من أواصر الأخوة بين الأديان، وفتحها الباب واسعاً أمام من يجتهدون في شؤون دينهم، قد سحب البساط من تحت أقدام المتزمتين والمتاجرين بالدين.

تضخيم الأمور، وإخراجها عن سياقها بعيداً عن معانيها الواضحة، هي المعنى المقصود من المثل الشعبي في عنوان المقال، وكان الدكتور أحمد الطيب قد ذكر في حوار له على الفضائية المصرية رداً على أسئلة قدمت إليه، أن مسألة تعدد الزوجات تحمل ظلماً للمرأة وللأبناء في كثير من الأحيان، وتعد من الأمور التي شهدت تشويهاً للفهم الصحيح للقرآن والسنة النبوية. أي أن الدكتور الطيب لم يحرم التعدد، بل قال إنه غير محبب في كثير من الأحيان.

وفي الوقت الذي مارست فيه مواقع التواصل الاجتماعي دورها في إشعال حرائق تلك المعركة، بانقسام مستخدميها بين مؤيد ومعارض، وتدشين مواقع لكل طرف، تجاهل الإعلام بكل وسائله، بياناً آخر للأزهر، تم نشره في نفس التوقيت، رداً على بيان لجماعة الإخوان، اعتبرت فيه أحكام القضاء الصادرة بإعدام تسعة من قتلة النائب العام السابق المستشار هشام بركات، شهداء. برغم أن المحاكمة تجري منذ نحو سنوات أربع، واعترفت والدة أحد الإرهابيين التسعة، لواحدة من فضائيات الإخوان التي تمولها قطر وتبث من تركيا، أن دور ابنها في القضية، لم يكن يتعدى سوى التبليغ عن موقع سكن المستشار بركات، متوهمة أن تلك جريمة بسيطة لا تستحق العقاب.

وكانت الجماعة، قد نشرت بياناً على موقعها الرسمي موجهاً إلى أعضائها، تحت عنوان «عزاء مؤجل وقصاص مستحق» بما ينطوي عليه العنوان، من تهديد واضح لأمن مصر، ومؤسساتها القضائية والتنفيذية.

وكعادتها في خلط الأوراق، وتشجيع الإرهاب ومن تمولهم للقيام به، صدرت الجماعة بيانها بقوله تعالى «ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات، بل أحياء ولكن لا تشعرون ).

وأكد بيان الأزهر أن ذلك استشهاد في غير موضعه وتحريف للنص الديني، لأن الشهداء الحقيقيين هم من يدافعون عن أوطانهم ضد المعتدين، ويدفعون أرواحهم فداء لحماية ترابها وسمائها وأهلها، وليس هؤلاء الذين يروعون المواطنين ويهددون أمنهم، ويسعون لنشر الفوضى والفساد في بلادهم.

يدخل الأزهر بكل ثقله في المعركة ضد الإرهاب، الذي تحلله جماعة الإخوان، وتصف مرتكبيه بالشهداء، فيؤكد في بيانه نصاً (هذا البيان الذي تصدر بعبارة عزاء مؤجل هو ولا شك عنوان له دلالاته. وهو دعوة صريحة للخروج على مؤسسات الدولة ونظامها العام. ورغبة جامحة لدى الجماعة الإرهابية في الثأر والانتقام لا علاقة لها بتعاليم الدين» وهو بجانب ذلك اعتراف صريح كما يقول الأزهر «بأنهم جماعة تمارس العنف، وأن هذا ديدنهم. وأن الهدف البائس واليائس الذي يسعون إلى تحقيقه هو هدم أركان الدولة وإيقاع الفتنة بين أبنائها، والدخول في معترك الفوضى».

لعل بيان الأزهر الذي بات يدرج جماعة الإخوان كجماعة إرهابية، أن يقرأ تفاصيله بإمعان هؤلاء «المحايدون» و«المترددون» والداعون إلى وفاق وطني ومصالحة، والمتمسكون ببند وحيد في الدستور الذي يجري تعديله، يقضي بتحقيق العدالة الانتقالية، وتعويض المتضررين، فيثقون في مرجعية الأزهر أولاً، وأن يعيدوا قراءة بيان الجماعة، الذي يحرض علناً أعضاؤها على ممارسة الإرهاب، وأن يربطوا بين الحملة على الدكتور أحمد الطيب وبين صدور بيان الأزهر، الذي يسدد ضربات موجعة لقلب جماعة الإخوان الإرهابية، ويفض من حولها.

Email