الاستثمار في الاقتصاد الرقمي

ت + ت - الحجم الطبيعي

إن أساليب الاتصال والتواصل في تبدل وتغير دائم من حولنا، فلكل حقبة أساليبها وأدواتها، وإن عصرنا الحالي قد غلبت عليه الثقافة الرقمية، وأصبح استخدام الحاسوب والأجهزة هو الغالب في تواصلنا، سواء في البيت أو في المكتب أو مع الأصدقاء والزملاء.

إن إحدى طفرات البشر في العصر الحديث هي اختراع الشبكة العنكبوتية، وما تبع ذلك من الأنظمة والمزايا التي أعقبتها ولعل أهمها انتشار الحواسيب، وبذلك ظهرت العديد من الآفاق الواسعة للعمل والاستثمار، فالشبكة متاحة للجميع، استفادت منها الحكومات والمؤسسات والشركات كما استفاد منها الأفراد، وظهرت العديد من الفرص التجارية والاقتصادية مع اختراع الإنترنت وظهور الحاسوب وانتشار استخدامه بين الناس.

ومن طفرات هذه النقلة بروز ما يعرف بالاقتصاد الرقمي، الذي أصبح لاعباً رئيساً في تطور ونمو الاقتصاد العالمي، فنشأت العديد من شركات الكمبيوتر والبرامج الحاسوبية على مستوى العالم، وأصبح الحاسوب موجوداً في المنازل كما في المكاتب والمؤسسات، وأصبح جل هذه المؤسسات والحكومات والأفراد يعتمدون على هذه البرامج لإنجاز أعمالهم، وتطوير أنفسهم ومؤسساتهم.

الاقتصاد الرقمي تبعه العديد من أشكال التجارة والاقتصاد التي تعتمد على الحواسيب بشكل كامل لإدارتها، كالتجارة الإلكترونية، إن المواقع التجارية على الشبكة العنكبوتية أصبحت منافساً صعباً للعلامات التجارية التقليدية في الأسواق، فجميع ما أنت تحتاجه سواء سلعاً أو خدمات متاح على الشبكة، وليس ذلك فحسب بل نتيجة للتطور المتلاحق ظهرت التطبيقات الذكية على الهواتف والأجهزة اللوحية وخاصةً في ما يتعلق بالبيع والشراء، لذا نجد أن النمو الاقتصادي للشركات على الشبكة ضعف النمو في المحال والمراكز التجارية.

ومما أفرزه الاقتصاد الرقمي أيضاً منصات التداول العالمية للسلع الأولية كالنفط، والمعادن كالذهب والفضة والألماس، والأوراق المالية في البورصات العالمية، وبغض النظر عن طبيعة هذه التداولات ومدى أمانها كاستثمار، فإن سرعة انتشار هذه المنصات ودخول العديد من المستثمرين بها حول العالم، وسهولة الولوج إليها عن طريق حساب افتراضي وبعض البيانات الشخصية، كل ذلك جعل من التداول والتبادل التجاري أسهل بكثير من ذي قبل، ما أدى إلى توسع الأعمال وتراكم الثروات على المستوى الفردي والجماعي.

وأيضاً لا ننسى العملات الرقمية التي ظهرت خلال السنوات العشر الأخيرة، فقد ظهرت وتداولها الناس وتملكوها قبل أن تصدر أنظمة ولوائح وقوانين تنظم العمل بها من قبل المصارف المركزية، وبعد أن بدأت بعض الدول بالاعتراف بها وتنظيم تداولها بشكل قانوني أصبح انتشارها أوسع وأشمل، وأشهر هذه العملات على الإطلاق «بتكوين»، وظهرت بعد ذلك عملات شبيهة بها سواء بشكل رسمي أو غير رسمي للاستفادة من هذه الفرصة.

وإن من أهم ما يمكننا به أن نسيطر على آثار هذه الثورة الرقمية هو بخطوات مطلوبة من قبل الحكومات والمصارف المركزية في الدول للسيطرة على أي استخدامات الشبكة، وتوجيهها للمسار الصحيح لاستغلال الفرص القادمة بشكل أمثل ولنحمي هذه البيانات من الجريمة والاستغلال، ومن ذلك:

أولاً: سن التشريعات والقوانين وتعديلها وبشكل مستمر بحيث توائم التطور الرقمي والمعرفي، هذه القوانين التشريعية تساعد على تنظيم عملية استخدام مثل هذه الأنظمة بشكل صحيح ومسؤول، وتحفظ الحقوق للعملاء والشركات والمؤسسات، بما لا يضر بالمعلومات الموجودة لديها.

ثانياً: اللحاق بركب التطور في مجال المنصات والبرامج الإلكترونية والعملات الرقمية، وهنا أصبحت تلوح العديد من الفرص للاستغلال الأمثل للتطور الرقمي بحيث نستفيد من هذه القفزة في مجال التجارة والاستثمار، لذا وجب خوض هذا السباق قبل أن نرى أنفسنا في المؤخرة وقد سبقتنا الدول لذلك، ومن التجارب الجيدة على المستوى العربي التعاون الإماراتي السعودي لإطلاق عملة رقمية بالتنسيق بين المصارف المركزية بين الدولتين بحيث يكون هذا الإطلاق خلال هذه السنة، وهي من المبادرات التي نتمنى تعميمها على المستوى العربي.

وختاماً نقول إن التكلفة البسيطة للاستثمار في الاقتصاد الرقمي مقارنةً بالاقتصادات التقليدية التي تعتمد على وجود مخازن وخطوط إنتاج وعمالة كبيرة وشحن غير ذلك جعلت من الاقتصاد الرقمي أكثر جاذبية للاستثمار وما زالت الفرص تلوح في الأفق.

Email