آفاق قمة فيتنام

ت + ت - الحجم الطبيعي

أخطر ما يمكن أن تشهده قمة فيتنام التي ستجمع رئيسي الولايات المتحدة وكوريا الشمالية نهاية الشهر الجاري هو أن يعلن الرئيس الأمريكي خلالها نهاية الحرب الكورية، التي وقعت في الخمسينات ولم تنته رسمياً حتى اليوم. فمثل ذلك الإعلان من شأنه أن يسهم بشكل معتبر في تقويض علاقات واشنطن بكل من سيؤول وطوكيو.

فليس سراً أن تلك القمة ستنعقد وسط ارتفاع ملحوظ في مستوى عدم الثقة في العاصمتين الآسيويتين تجاه حليفتهما واشنطن سواء على المستوى الشعبي أو المستوى السياسي.

فقد كان لافتاً بشدة في استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة بيو الأمريكية أن نسبة اليابانيين الذين يعتبرون الولايات المتحدة مصدر «تهديد قوي» لبلادهم ازداد بمقدار 17 نقطة بالمقارنة بعام 2013 حين أجرت المؤسسة الاستطلاع نفسه.

وقد أشار الاستطلاع أن مصدر قلق أولئك الذين يجدون الولايات المتحدة تهديداً لبلادهم هو عدم استقرار سياسة الولايات المتحدة تجاه شرق آسيا في عهد ترامب، فضلاً عن قيام إدارته بتقويض النظام الدولي الذي شيدته الولايات المتحدة بنفسها بعد الحرب العالمية الثانية.

واللافت أيضاً في ذلك الاستطلاع أنه بينما ازدادت نسبة من يرون أمريكا تهديداً فإن نسبة من يرون السلاح النووي لكوريا الشمالية تهديداً لهم بقيت على حالها في اليابان وكوريا الجنوبية وغيرها من دول آسيا.

أما على المستوى السياسي، فقد عقدت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية أخيراً اتفاقاً ارتفعت بمقتضاه نسبة مساهمة كوريا الجنوبية في تكلفة وجود القوات الأمريكية على أراضيها. وتلك القوات التي تصل إلى 30 ألف جندي سترتفع مساهمة كوريا الجنوبية في دفع تكلفتها من 800 مليون دولار إلى 1.6 مليار دولار سنوياً.

وهو كان أحد مطالب ترامب من حلفاء الولايات المتحدة حول العالم. وقتها تردد أن ترامب أمر مساعديه بالبحث في أمر سحب قوات بلاده من كوريا الجنوبية، إذا ما رفضت زيادة مساهمتها المالية وعارضه وزير دفاعه وقتها، جيمس ماتيس، بشدة.

ورغم أن ترامب نفى أخيراً أنه ينوي سحب تلك القوات دون أن ينفي، بالمناسبة، احتمالية ذلك «يوماً ما»، إلا أن الرئيس الأمريكي لم يعلن حتى كتابة السطور موافقته على الاتفاق الذي أبرمه مفاوضو البلدين.

كما أن الاتفاق نفسه مدته عام واحد يخضع بعدها للتفاوض من جديد. لذلك تخشى الأوساط السياسية في كوريا الجنوبية من أن يصبح وجود القوات الأمريكية في كوريا الجنوبية أحد أوراق التفاوض في قمة فيتنام، خصوصاً وأن هناك سابقة لذلك، حين علق الرئيس الأمريكي، عشية قمة سنغافورة، التدريبات العسكرية المشتركة بين أمريكا وكوريا الجنوبية.

وما يجري على الساحة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية يرفع من حدة القلق في طوكيو. فاليابان ستخوض مفاوضات مماثلة نهاية العام المقبل لتجديد الاتفاق بخصوص وضع القوات الأمريكية على أراضيها والذي سينتهي العمل به في 2021. لكن توجد معارضة قوية في اليابان لمسألة زيادة الإنفاق، المرتفع أصلاً، في تكلفة بقاء تلك القوات والتي تصل حالياً لما يقرب من المليارين.

هذا فضلاً عن أن اليابان تتحمل وحدها حالياً تكلفة إنشاء قاعدة جديدة للقوات البحرية الأمريكية في أوكيناوا. وتطالب أحزاب وقوى سياسية يابانية عدة حكومة شينزو آبي بضرورة أن يتضمن الاتفاق الجديد إخضاعاً للقوات الأمريكية للقانون اليابانى، «أسوة بكل من ألمانيا وإيطاليا».

ومما يزيد من قلق طوكيو وسيؤول هو أن كليهما تراقب التفاعلات السابقة على انعقاد قمة فيتنام فتجدان تبايناً واضحاً بين موقف واشنطن وموقف بيونغ يانغ.

فالمبعوث الأمريكي لكوريا الشمالية اعترف أخيراً بأن البلدين لم يتوصلا بعد لاتفاق حول تعريف «نزع السلاح النووي وسبل التحقق منه دولياً»، والذي يمثل الهدف الأمريكي المعلن من وراء المفاوضات مع بيونغ يانغ، في الوقت الذي تشير التقارير الدولية إلى أن كوريا الشمالية تعزز من برنامجها النووي، لا العكس، عبر تكثيف إنتاج الصواريخ والرؤوس الحربية.

ورغم أن المبعوث الأمريكي قال في خطاب ألقاه بجامعة ستانفورد إن بلاده تريد من بيونغ يانغ أن تعلن تفصيلياً حجم سلاحها النووي ومواقعه فإن موقف كوريا الشمالية منذ البداية يقوم على أن نزع السلاح النووي لابد أن يتزامن مع خطوات أمريكية بالقوة نفسها مثل معاهدة لإنهاء الحرب الكورية أو سحب للقوات الأمريكية من كوريا الجنوبية.

ورغم أن تقديرات المحللين تشير إلى أن التنازلات التي قد تقدمها الولايات المتحدة قد تتمثل في تطبيع العلاقات الدبلوماسية وتخفيض العقوبات الاقتصادية وتقليص المناورات العسكرية مع كوريا الجنوبية، إلا أن سابقة تعليق ترامب المناورات العسكرية مع كوريا الجنوبية عشية قمة سنغافورة دون الحصول على شيء بالمقابل يزيد من عدم الثقة في طوكيو وسيؤول اللتين تتوجسان خشية إعلان ترامب من جانب واحد «نهاية الحرب الكورية»، الأمر الذي تعتبره الاثنتان تخلياً عنهما دون إنجاز يذكر بشأن ما يمثله سلاح بيونغ يانغ النووي من تهديد.

 

 

Email