قراءة هادئة في التعديلات الدستورية

ت + ت - الحجم الطبيعي

الأمر المؤكد أن الدساتير ليست كتباً مقدسة، لكنها تظل في البداية والنهاية اجتهاداً بشرياً قابلاً للتعديل والتغيير حسب مقتضيات الظروف والمواقف ومصالح الشعوب، وقد شهدت مصر ولادة العديد من الدساتير الدائمة والمؤقتة، والتعديلات الدستورية ليست مقصورة على مصر، وإنما هي موجودة في كل دول العالم.

خلاصة القول إن الدساتير دائماً وأبداً سوف تظل قابلة للتعديل والتغيير طالما اقتضت المصلحة العامة ذلك، وفيما يخص الدستور الحالي الذي تم وضعه عام 2012 فقد كان مثاراً للجدل ورفضه نحو 36% من الذين ذهبوا إلى لجان الاقتراع رغم كل الظروف المحيطة، وعدم الاستقرار والشحن، والإرهاب الفكري، وتقسيم المواطنين إلى فسطاطين «الجنة والنار»، ورغم كل ذلك فقد بلغ عدد الرافضين للدستور أكثر من ستة ملايين مواطن في حين من وافق عليه نحو عشرة ملايين فقط، وفى عام 2014 تم إجراء تعديلات جديدة على الدستور اقتضتها ظروف المرحلة بعد قيام ثورة 30 يونيو.

يوم الخميس الماضي صوت البرلمان لصالح إجراء تعديلات دستورية على الدستور في جلسة استغرقت 6 ساعات تم خلالها التصويت بالاسم ليتم الموافقة على مبدأ تعديل بعض مواد الدستور الذي تقدم به أكثر من خمس أعضاء المجلس لتعديل 12 مادة من مواد الدستور وهي المواد (102، 140، 160، 185، 189، 190، 193، 200، 204، 234، 243، 244)، وقد رفضت لجنة الثقافة والإعلام برئاسة النائب أسامة هيكل رئيس اللجنة مقترح إلغاء المادتين 202، و213 الخاصتين بالهيئتين الوطنية للصحافة، والوطنية للإعلام، وقد استجاب ائتلاف دعم مصر صاحب الأغلبية في البرلمان لذلك المقترح، وأعلن النائب عبد الهادي القصبي رئيس الائتلاف سحب التعديل المقدم بإلغاء المادتين لتجنب العوار والفراغ الذي كان يمكن أن يحدث حال إلغاء الهيئتين دون وجود بديل لهما في التعديلات المقترحة، وهو الأمر الذي يؤكد أن النقاش في البرلمان كان مفتوحاً ومرناً وقابلاً للإضافة والحذف، وهو ما ظهر بوضوح أثناء مناقشة هاتين المادتين.

كما أن مناقشات الأعضاء تطرقت إلى بعض المواد الأخرى مثل نسب تمثيل المرأة والشباب والعمال والفلاحين وذوي الاحتياجات الخاصة، وتحفظ عليها البعض في حين أيدها البعض الآخر لينتهي المجلس إلى الموافقة على مبدأ التعديلات الدستورية في المواد المقترحة بالأغلبية ولتبدأ اللجنة التشريعية جلسات استماع على مدى الأسبوعين المقبلين في استطلاع آراء الجهات المختلفة في تلك التعديلات، بعدها يتم صياغة المواد المقترحة ووضع التقرير النهائي، وذلك في إطار المدة التي حددها الدستور، لذلك الغرض وهي مدة الستين يوماً.

بعد انتهاء تلك الإجراءات سيكون الشعب هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في إقرار التعديلات الدستورية من عدمه بعيداً عن الوصاية أو الإرهاب الفكري، وهذا هو المهم، فالشعب هو صاحب الكلمة العليا، وله الحق كاملاً في الموافقة على تلك التعديلات من عدمه بعيداً عن حملات فيسبوك أو المتاجرة بالمواقف.

لقد شهدت السنوات الثماني الماضية العديد من التطورات السريعة والمتلاحقة على الساحة المصرية، وبعد قيام ثورة 25 يناير للأسف الشديد تحولت الثورة إلى فوضى وانفلات وحرق وتدمير للمنظمات العامة والخاصة، لتدخل مصر مرحلة كانت تستهدف تقويض وهدم أركان الدولة، وتحويلها إلى دولة فاشلة، ومفلسة، وكان من المستحيل أن يستمر هذا الوضع لأن استمراره ببساطة كان يعني ضياع الدولة، كما حدث في اليمن أو ليبيا، وسوريا، خاصة أن مصر دولة كبيرة ولها ظروفها الاقتصادية الخاصة، لكن وعي الشعب كان هو الحارس الأمين لتنفجر ثورة 30 يونيو وتبدأ مسيرة طويلة في إصلاح ما أفسده الزمن، وبدأت العجلة في الدوران في إزالة التشوهات التي كانت قائمة حينذاك، بدأت بمرحلة انتقالية ثم تعديلات دستورية، وانتخابات رئاسية وبرلمانية لتعود بعدها مؤسسات الدولة للحياة مرة أخرى رويداً رويداً ثم كان التحدي الصعب وهو الإصلاح الاقتصادي بعد أن وصل الاقتصاد إلى حافة الإفلاس والانهيار.

كان القرار قراراً صعباً وعسيراً لكنه الدواء المر الذي لابد منه، ونجح الشعب المصري في الاختبار الصعب وبصبر وحكمة اجتاز أصعب مراحل الإصلاح وأقساها، والآن تبدأ مرحلة جديدة للانطلاق والتنمية عنوانها الاستقرار والبداية من التعديلات الدستورية التي تعتبر حلقة من حلقات استكمال إعادة تثبيت أركان الدولة وانطلاقها واستكمال مسيرة طويلة من الإنجازات تحققت في فترة قياسية قصيرة، والشعب صاحب الكلمة العليا في الحكم عليها؛ بعد أن عانى طويلاً من الفوضى والضياع.

Email