غيوم تغطي سماء اقتصاد العالم.. والحلول ممكنة

ت + ت - الحجم الطبيعي

الكلمة التي ألقتها كريستين لاغارد، مديرة صندوق النقد الدولي، خلال القمة العالمية للحكومات جاءت بالعديد من التفاصيل المهمة، على الرغم من أن الحوار معها لم يتجاوز خمساً وثلاثين دقيقة إلا أن الكلمة كانت ثرية بما يكفي للمناقشة والتعليق عليها.

وفي بداية كلمتها أشارت لاغارد إلى الغيوم الأربع التي تغطي سماء اقتصاد العالم في الوقت الحالي، وهي التوتر التجاري، وارتفاع الرسوم الجمركية والتشدد المالي، والبريكست، وبطء وتيرة الاقتصاد الصيني، هذه الأسباب كافية لعرقلة نمو الاقتصاد العالمي وتجعله يتباطأ أكثر فأكثر.

هذه المشكلات التي عرضتها لاغارد خلال القمة العالمية للحكومات في دبي، والتي أعقبتها ببعض الحلول التي قد تكون ناجعة لتجنب العديد من البلدان ويلات التباطؤ في الاقتصاد العالمي، كمحاربة الفساد، وعدم التقوقع وتجنب الحمائية، وإعادة النظر من قبل بعض الساسة في قراراتهم المؤثرة في الاقتصاد.

جميع هذه الحلول مطلوبة لتجنب أي أزمة اقتصادية مقبلة في العالم، ولكنها من وجهة نظر شخصية غير كافية لحل المشكلات الاقتصادية الحالية، وأن هناك أموراً أخرى يجب أخذها بعين الاعتبار في محاولة لتخفيف أثر المشكلات التجارية والسياسية بين أقطاب الاقتصاد في العالم، كأزمة الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة والصين، وأزمة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى حلول نابعة من حكومات العالم للتخفيف من الآثار الاقتصادية لهذه الأزمات على الدول.

ويجب أولاً الحد من الديون سواء الداخلية أو الخارجية، حيث إن الاقتراض قد يكون له العديد من الفوائد على المستوى القريب، إذ يسهم في العديد من البلدان بتعزيز التنمية، ويوفر سيولة عن طريق الاقتراض المباشر من البنك الدولي أو بلدان أخرى أو حتى إصدار الأوراق المالية والسندات، كل ذلك يوفر سيولة عالية يتم توجيهها نحو الاستثمار والبناء في هذه البلدان، ولكن على المستوى البعيد فإن ارتفاع مستوى الدين سيكون له أثر سلبي على اقتصاد الدولة وتصنيفها الائتماني، خاصة إذا تعسرت خطط السداد مستقبلاً، لذا وجب التنبه إلى أهمية وصول الدين الخارجي للدولة لمستويات معقولة، إضافة إلى تنظيم الاقتراض الداخلي بحيث لا يؤثر على الشركات والمؤسسات ولا حتى على الأسر والأفراد، ويتم ذلك عن طريق تشريع سياسات من قبل البنوك المركزية في الدول بما لا يهدد استقرار الشركات والأسر المقترضة، إضافةً إلى مراجعة معدلات الفائدة على هذه القروض هل هي معقولة أو لا بد من تدخل حكومي لتعديلها.

وثانياً ينبغي البحث عن تكتلات اقتصادية قوية على مستوى الحكومات والشركات، حيث كانت التكتلات الاقتصادية للدول ولا تزال مصدرَ أمان اقتصادياً لمجتمعاتها، فهذه الدولة التي توجد ضمن منظمة قوية مع دول أخرى يكون لديها العديد من المزايا التجارية والجمركية وتتوفر فيها الوظائف وتنعم بالاستقرار السياسي والاقتصادي في العادة، فإذا أمكن أن تظل الدول ضمن تكتلات ضخمة فهذا أفضل، وهناك العديد من المنظمات الناجحة كمنظومة الاتحاد الأوروبي مثلاً، وفي منطقتنا منظومة دول مجلس التعاون الخليجي، ولكن في حال عدم توافر الظروف المحيطة للدخول في تكتل له ثقل سياسي واقتصادي، وجب علينا أن نصنع نحن هذا التكتل والثقل الاقتصادي، ويكون ذلك عن طريق التركيز على دمج المؤسسات داخل الدولة، وصناعة كيانات اقتصادية قوية، كدمج البنوك والشركات ذات النشاط الواحد، أو التوجه للخارج والبحث عن شركات لها مركز ثقل اقتصادي والاستثمار فيها أو الاندماج معها.

ثالثاً: خلق مراكز ثقل جديدة في العالم، لا سيما أن مراكز القوة الاقتصادية في العالم معروفة، ومجاراتها والوصول إلى مستواها ليس بالأمر السهل، فالولايات المتحدة الأمريكية تحتل المرتبة الأولى من بين القوى الاقتصادية، لديها ثروات ضخمة، وصناعات متطورة، وقطعت أشواطاً عدة في التجارة الحرة ومنتجاتها لا يكاد بيت يخلو منها، وتأتي بعد ذلك الصين كثاني أكبر اقتصاد في العالم، والأسرع نمواً على الإطلاق، وتشهد الصين تقدماً في العديد من الصناعات، كما أن منتجاتها غزت أسواق العالم، وبالطبع لا ننسى الاتحاد الأوروبي الذي يعد مركز ثقل على الرغم من الظروف الصعبة التي مرّ بها خلال السنوات الأخيرة ولا تزال المشكلات مستمرة.

ولكن بعد كل ما يعصف بالعالم من مشكلات اقتصادية نرى من الضروري ظهور كتل وقوى اقتصادية جديدة وناجحة، وهذا ليس بالأمر الجديد، فالعديد من التجارب السابقة أثبتت نجاحها، كمجموعة نمور آسيا التي حققت العديد من النجاحات الاقتصادية خلال القرن الماضي وما زلنا نلمس هذا النجاح في أداء بعض من هذه الدول، مثل كوريا الجنوبية، فتجربة الدخول بالتحالفات والكتل الاقتصادية ليست بالجديدة، وعندما نتحدث عن الاقتصادات الصاعدة ذات الأداء اللافت فلا بد أن نذكر دولاً كاليابان مثلاً، التي تعد من الأكثر تقدماً على مستوى العالم، والهند التي تتحرك بثبات في الميدانين الاقتصادي والسياسي، وفي المنطقة العربية اقتصادات دول مجلس التعاون، وفي مقدمتها دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية، لذا فوجود هذه البدائل يخفف من تأثر اقتصادات العالم بقرارات الكبار الذين يتحكمون بالتجارة والأسواق حول العالم.

إن تعزيز دور البديل يخلق التوازن الذي نفتقده حالياً.

Email